بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت : ٤٨].
والرابع : فيها دلالة أن الله ـ جل وعلا ـ خالق الدنيا وما فيها من المحاسن والخبائث ، والأعالى والخسائس ، حيث ضرب مثل الرفيع بالرفيع والخسيس بالخسيس ؛ فدل أن خالق هذه الأشياء كلها هو الله تعالى ، لا شريك له ولا شبيه.
ثم شبه الصدقة التى هى لله ـ عزوجل ـ مرة بالربوة من الأرض : وهى المرتفعة منها ، ومرة بالحبة التى تنبت كذا كذا سنبلة ، وفى كل سنبلة كذا كذا حبة ، ومرة بالأضعاف المضاعفة ؛ كقوله : (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة : ٢٤٥]. فهو ـ والله أعلم ـ لما علم عزوجل رغبة الناس مرة فى العدد فى الدنيا ، ومرة فى البساتين المرتفعة أرضها وتربتها ليشرفوا على غيرهم من الخلائق والبقاع ، ومرة فى الكثير من الأشياء والعظيم منها رغبهم عزوجل فى الصدقة بما ذكرنا من الأشياء لعلمه برغبتهم فيها ، ليرغبوا فى ذلك. والله أعلم.
وعلى ذلك حرم الله تعالى الصدقات على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه كان يرغب الناس فى الصدقة ؛ لئلا يظنوا فيه ظن السوء ويقولون : إنه إنما يرغبهم فيها لينتفع هو بها.
وقوله تعالى : (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) اختلف فيه :
قيل (١) : (وَتَثْبِيتاً) : تصديقا ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) [الليل].
وقيل (٢) : (وَتَثْبِيتاً) ، أى : تيقينا بالإسلام.
وقيل (٣) : يثبتون فى مواضع الصدقة.
وقيل (٤) : (وَتَثْبِيتاً) فى الصدقة ، إذا كانت لله أمضى وتصدق بها ، وإن خالطه شىء أمسك. والله أعلم.
وقوله تعالى : (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ).
قيل (٥) : الربوة : المرتفع من الأرض.
وقيل (٦) : الربوة : الظاهر المستوى من المكان.
__________________
(١) قاله الشعبى ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٦٣ ، ٦٠٦٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).
(٢) قاله قتادة وأبو صالح أخرجه ابن جرير عنهما (٦٠٦٥ ، ٦٠٦٦) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٦٧ ـ ٦٠٦٩) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).
(٤) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٧٠ ، ٦٠٧١) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).
(٥) قاله ابن عباس والضحاك ، أخرجه ابن جرير عنهما (٦٠٧٦ ، ٦٠٧٩) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).
(٦) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٧٣ ، ٦٠٧٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).