الآية : فمعناه ـ والله أعلم ـ أن يكون ألا يود أحد أن تكون له جنة ينال منافعها فى وقت قوته وغناه بقوته عنها وبغيرها من وجوه المعاش ، ثم يحرم نفعها لوقت الحاجة إليها بضعف بدنه وارتكاب مؤن الذرية ، فكذلك لا ترضوا من أنفسكم فى وقت قوتها وغناها الغفلة عنها لوقت حاجتها إلى الأعمال والاضطرار إلى ثوابها. والله أعلم.
وأن يكون المعنى من ذلك أى : لا تغتروا بظاهر أحوالكم فى الدنيا ، وبما تنالون من النافع بالذى أظهرتم من موافقة المؤمنين ، كاغترار من ذكرت بجنسه فى خاص ما عليه حاله إلى أن صار إلى ما أراه الله من عاقبته أنه يود عنه نهاية ذلك ، أن لم يكن منه الاغترار فى ذلك ، ولكن كان قيامه على ما لا يضيع عنه ذلك بتلك الحال ؛ فيخرج ذا على ضرب المثل للمنافق.
ويحتمل : أن يكون ذلك مثلا لمن كفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم ممن يؤمن بالبعث ، أن الذى ينال بالكفر به من الرئاسة والعز ، كالذى ذكر من صاحب الجنة أنه لا يود ذلك الابتداء بما يعلم تلك العاقبة ؛ فكذا (١) ما ينبغى لهم إذ بين لهم عواقب الكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم أن يؤثروا الذى نالوا بعد علمهم بشدة تلك العاقبة. والله أعلم.
والمثل خرج على غير ذكر الجواب فيه ؛ لما قد جرى له البيان لعلمه بالمبعوث مبينا أو بما فى الحال التى لها نزول الآية دليل التعريف ، أو بما أراد الله امتحان السامعين بالتأمل فى الآية لينال كل ذى عقل فضله ، وليكرم به أهل التدبر فى آياته فى صرف وجوه من دونهم إليهم فى الصدور عن آرائهم والاعتماد على إشارتهم. والله أعلم.
وجملة ذلك : أن أفعال ذوى الاختيار تكون للعواقب ، وما إليه مرجع الفاعل مقصود فى الابتداء ، فبين لمن أغفل عنه بالذى عرف من حيرة المسرور بجنته لما انكشفت له عاقبتها حتى لعله يود أن لم يكن له تلك ، ليكون سروره بما يحمد عاقبته. فعلى هذا الأمر : الأفعال التى يغفل عن عواقبها إذا صار إليها صاحبها. والله الموفق.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩) وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ
__________________
(١) فى ب : فعلى.