عنه والتفحص.
ثم إن هذا الخطاب يحتمل أن يكون فى أهل النفاق ؛ وذلك أن المنافق يرى من نفسه الموافقة لأهل الإسلام فى الظاهر ، وهو مخالف لهم فى السر ، وعنده أنه يستحق الثواب بذلك وقت الثواب ، كان كصاحب الضيعة التى ذكرت فى الآية : أن صاحبها يغرس فيها الغرس ، وينبت فيها النبات فى حال شبابه وقوته ؛ رجاء أن يصل إلى الانتفاع بها فى وقت الحاجة والضعف ، فإذا بلغ ذلك واحتاج ـ حيل بينه وبين الانتفاع فيها. فكذلك المنافق الذى كان دينه لمنافع فى الدنيا وسعة لها ، إذا بلغ إلى وقت الحاجة حرم ذلك. وكذلك هذا فى الكافر ؛ لأنه رأى لنفسه النفع بعمله لوقت تأمله كصاحب الضيعة ، ثم عند بلوغه الحاجة حرم عنه ذلك لاعتراض ما اعترض من الآفة ، وهو كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النور : ٣٩] ؛ لأن الكافر بما يدين من الدين إنما يدين لنفع يتأمله فى الدنيا ، والمؤمن إنما يدين بما يدين لنفع يتأمله ويطمع فى الآخرة. فرجاء الكافر فى غير موضعه ؛ لذلك كان ما ذكر. والله أعلم.
ثم الأمثال التى ضربت ينتفع بها المؤمنون ؛ لأن نظرهم ما فى الأمثال من المعنى المدرج والمودع فيها ، لم ينظروا إلى أعينها. وأما الكفار إنما ينظرون إلى أعين الأمثال ، لا إلى ما فيها ، فاستحقروها واستبعدت عقولهم ذلك ؛ لذلك قال الله ـ عزوجل ـ : (الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس : ٢٤] ، و (يَعْقِلُونَ) [البقرة : ١٦٤].
ووجه ضرب هذا المثل : هو أن الكافر يحرم أجره عند أفقر وأحوج ما كان إليه ، كما حرم هذا نفع بستانه عند أفقر وأحوج ما كان إليه حين كبرت سنه وضعفت قوته ، ولا حيلة له يومئذ.
وقوله تعالى : (إِعْصارٌ).
قال ابن عباس (١) : الإعصار : ريح فيها سموم.
وقيل : الإعصار : ريح فيها نار تحرق الأشجار.
وقيل (٢) : هى الريح تسطع إلى السماء ، وهى أشد.
قال الشيخ (٣) ـ رحمهالله تعالى ـ فى قوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ ..).
__________________
(١) أخرجه ابن جرير من (٦١٠٤ ـ ٦١١٠) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠٣).
(٢) قاله البغوى (١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣).
(٣) ثبت فى حاشية أ : قال الشيخ أبو منصور ـ رحمهالله ـ فى قوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) : ليس على طريق الاستفهام ليقتضى جوابا ، بل معناه : لا يود أحدكم أن تكون له جنة.