وقيل : كان الرجل منهم إذا حل ما له على صاحبه طلبه ، فيقول المطلوب للطالب : زدنى فى الأجل وأزيدك على ما لك. فيفضلان على ذلك ويعملان به. فإذا قيل لهما : هذا ربا ، قالا : هما سواء : الزيادة فى البيع ، أو الزيادة عند محل البيع. فأكذبهم الله تعالى فى ذلك وقال : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، أى : ليس هكذا : البيع كالربا.
ويحتمل : فيه ابتداء حرمة أن حل ما هو بيع لا ما هو ربا.
ثم قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) :
فلقائل أن يقول : إنما يحرم منه قدر الربا ، وأما العقد فإنه يجوز لما ليس فيه ربا.
لكن الأصل عندنا فيه : أن الدرهم الزائد يأخذ كل درهم من العشرة قسطا منه وجزءا من أجزاء كل درهم منه ، فلا سبيل إلى إمضاء العقد لأخذ أجزائه كل درهم من الذى فيه العقد ، وهو ربا.
وفيه وجه آخر : وهو أنه ختم الكلام على قوله : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) ، ولا يزاد رأس المال فى عقد قد مضى. ثم معرفة الربا من غير الربا ما ليس بإرادة بدل.
ثم فيه دلالة أن حرمة الربا كان ظاهرا عندهم حتى حكوا ، وكان حرمته فيما بينهم كهو فيما بين أهل الإسلام ؛ لذلك قال أبو حنيفة ـ رضى الله تعالى عنه ـ : أن لا يجوز بيع الربا فيما بين أهل الإسلام وبين أهل الذمة. وعلى ذلك خرج الخطاب منه ـ عزوجل ـ بقوله : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً).
وقوله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى) :
قيل : (مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، بيان تحريم الربا.
وقيل : (فَمَنْ جاءَهُ) نهى فى القرآن (مِنْ رَبِّهِ) فى تحريم الربا ، (فَانْتَهى) عن الربا.
ويحتمل : الموعظة ، هى التذكير لما سبق منه ، فيتذكر فيرجع عن صنيعه.
وقوله تعالى : (فَلَهُ ما سَلَفَ) ، قيل فيه بوجهين :
قيل : (ما سَلَفَ) له فى الجاهلية صار مغفورا له ، وهو كقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨].
ويحتمل قوله تعالى : (ما قَدْ سَلَفَ) ، وذلك أن الكافر إذا تاب ورجع عن صنيعه ، يرجع لا أن يعود إلى فعله أبدا ، ويندم على كل سيئة ارتكبها ، فيجعل الله كل سيئة كانت منه حسنة ، وهو كقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) [الفرقان : ٧٠].
وقوله تعالى : (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) ، فى حادث الوقت أن يعصمه.