وقوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
إن المعتزلة استدلوا على الوعيد لأهل الإسلام بما ذكر فيه من العود.
لكن بدء الآية على الاستحلال ، فعلى ذلك العود (١) إليه على جهة الاستحلال ، يدل عليه قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) فأثبت له الكفر بالذى كان منه فى الابتداء ، وهو الاستحلال ؛ فكذلك العود إليه.
وقوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) :
قيل (٢) : (يَمْحَقُ اللهُ) : يهلك.
وقيل : (يَمْحَقُ) : يبطل.
ولكن أصل «المحق» هو رفع البركة ؛ وذلك أن الناس يقصدون بجمع الأموال والشح عليها ، لينتفع أولادهم من بعدهم إشفاقا عليهم ، وكذلك يمتنعون من التصدق على الناس. فأخبر الله تعالى : أن الأموال التى جمعت من جهة الربا ألا ينتفع أولادهم بها ، وهو الأمر الظاهر فى الناس. وأخبر أن الصدقات التى لا يمتنعون من الإنفاق عنها يربى ويخلف أولادهم إذا تصدقوا ، ويمحق الربا ويرفع البركة عنها ؛ حتى لا ينتفع أولادهم بها. وهو ما روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كل متبايعين بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما فيه ، وإن كذبا وكتما محققت عنهما البركة» (٣).
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) الآية ظاهرة.
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
قيل فيه بوجهين :
قيل : (وَذَرُوا ما بَقِيَ) من عمركم (الرِّبا) إذا صرتم مؤمنين.
وقيل : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) ، الذى تقبضون (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
وفى الآية دلالة على أن الربا الذى لم يقبض إذا ورد عليه حرمة القبض أفسدته.
لذلك قال أصحابنا ـ رحمهمالله تعالى ـ : إن فوت القبض عن المبيع يوجب فساد العقد ، كما كان فوت قبض الربا فى ذلك العقد أوجب منع قبض الربا. والذى يدل عليه قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) ، فأوجب الفسخ فيه حتى أوجب رد
__________________
(١) فى ط : العدو.
(٢) قاله البغوى (١ / ٢٦٣).
(٣) أخرجه البخارى (٢٠٧٩ ، ٢٠٨٢) ، ومسلم (٤٧ / ١٥٣٢).