رأس المال.
وفى الآية دليل وجه آخر : وهو أنه جعل حدوث الحرمة المانعة للقبض ، يرتفع به العقد فى فساد العقد ؛ فعلى ذلك يجعل حدوث شىء فى عقد معقود قبل القبض كالمعقود عليه فى استئجار حصته من الثمن.
وقوله تعالى : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) ، وقوله : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) ، فيه دلالة : أن ما جرت بين أهل الإسلام وأهل الحرب من المداينات والمقارضات ثم أسلموا يرد ، وما أخذوا قهرا لا يردون ؛ وذلك أن الربا الذى قبضوا لئلا يرد لم يؤمر برده. فعلى ذلك ما أخذوا قهرا أخذوا لئلا يرد ، لم يجب رده. وأما رأس المال فإنما أخذوا للرد ؛ فعلى ذلك ما أخذ بعضهم من بعض دينا أو قرضا وجب رده. ففيه دليل لقول أصحابنا ـ رحمهمالله تعالى ـ على ما ذكرنا. والله أعلم.
وقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ).
عن ابن عباس (١) ـ رضى الله تعالى عنه ـ قال : فمن كان مقيما على الربا مستحلّا له لا ينزع عنه ، فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه : فإن تاب ونزع عنه ، وإلا ضرب عنقه.
وقوله تعالى : (فَأْذَنُوا) ، فيه لغتان : بالقطع ، والوصل.
فمن قرأ بالقطع ، فهو على الأمر بالإعلام لمستحليه أنه يصير حربا له بالاستحلال.
ومن قرأ بالوصل ، فهو على العلم ، كأنه قال للمؤمنين : إنه حرب لنا.
وقوله تعالى : (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) :
عن ابن عباس ـ رضى الله تعالى عنه ـ قوله : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) ، أى : (لا تَظْلِمُونَ) فتربون ، (وَلا تُظْلَمُونَ) : فتنقصون.
وقتادة ـ رضى الله تعالى عنه ـ يقول : بطل الربا وبقيت رءوس الأموال.
وقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) :
عن ابن عباس (٢) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : (إِلى مَيْسَرَةٍ) قال : هو المطلوب ، وهو فى الربا.
وفيه دلالة جواز التقلب فى البيع الفاسد ؛ لأنه جعل لأرباب الأموال النظرة إلى ميسرة
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦٢٧٢).
(٢) أخرجه ابن جرير (٦٢٨٤) ، وابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور (١ / ٦٥٠).