من عليه المال. فلو كان له حق أخذه حيثما وجده بعد ما تناسخت الأيدى ، أو كان له حق تضمين من هو أغنى لم يكن لإنظار المعسر إلى وقت الميسرة معنى. ولكن يحتاج إلى تضمين أيسرهم وأغناهم إذا كان يقدر ، فله خصومته ، وإذا كان شرط سقطت الخصومة ، كما تقول فى الذى يكفل عن معسر أو عمن أجل ، ثم النظرة بالاختيار ممن له الحق ، لا أنه يكون هكذا شاء هو أو أبى. دليله قوله صلىاللهعليهوسلم : «لصاحب الحق اليد واللسان» (١). أما اللسان فيتقاضاه ، وأما اليد فيلازمه بها ويحبسه. ولكنه إذا أجل قطع على نفسه حق اللسان واليد إلى أن يمضى ذلك الوقت ، [فإذا مضى ذلك الوقت](٢) ثبت له حق اللسان واليد. والله أعلم.
وقوله تعالى : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، يعنى برءوس الأموال إذا ظهر إعساره. وعن الضحاك (٣) ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال فى قوله : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ، قال : أخذ رأس المال حسن ، وتركه أحسن. وإنما الصدقة على المعسر ، فأما على الموسر فلا.
وفيه دليل جواز صدقة الدين وهبته ممن عليه دين ، وهو الأخير له إذا ظهر إعساره وفقره. والله أعلم.
وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
قال عامة أهل التأويل : إن هذه الآية آخر ما نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وكذلك روى عن ابن عباس (٤) ، رضى الله تعالى عنه.
فإن كان ما ذكروا فهو ـ والله أعلم ـ أنه عزوجل رغبهم فى ذكر ذلك اليوم ؛ لما فى ترك ذكره بطول الأمل ، وطول الأمل يورث الحرص ، والحرص يورث البخل ويشغله عن إقامة العبادات والطاعات. فإذا كان كذلك فأحق ما يختم القرآن به هذا ؛ لئلا يتركوا ذكر ذلك اليوم فيسقطوا عن منزلته الثواب والجزاء. والله أعلم.
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ : ويصير كأنه قال : اتقوا وعيده تعالى فى جميع ما يعدكم وما ألزمكم من الحق.
__________________
(١) أخرجه البخارى (٢٦٠٩) ، ومسلم (١٢٠ / ١٦٠١) ، عن أبى هريرة بلفظ : «إن لصاحب الحق مقالا ...».
(٢) سقط فى ط.
(٣) أخرجه ابن جرير (٦٣٠١ ، ٦٣٠٢).
(٤) أخرجه ابن جرير (٦٣٠٨ ، ٦٣٠٩ ، ٦٣١٢).