فلا يبطل حقه.
وفيه وجه آخر : وهو أن قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) ، أى : لا يأب الكاتب إذا كتب أن يكتب بالعدل ، أى : له ترك الكتابة ، ولكنه إذا كتب لا يكتب إلا بالعدل. والله أعلم.
وقوله تعالى : (كَما عَلَّمَهُ اللهُ) ، هو نقض على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : يكتب وإن لم يعلمه الله تعالى. والله ـ عزوجل ـ أخبر أنه يكتب بتعليم الله إياه. ولو كان التعليم من الله تعالى إيتاء الأسباب لم يكن لقوله تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) [يس : ٧٠] معنى ؛ لأنه قد أعطى أسبابه.
والعدل ـ ما ذكرنا ـ : ألا يزيد على الحق ، ولا ينقص منه. وأصل العدل : هو وضع الشىء موضعه.
وقوله تعالى : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) : ما عليه ، (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ) : ولا ينقص ، (مِنْهُ شَيْئاً) : [أى : لا يملى على الكاتب أقل من حقه ولا ينقص منه شيئا](١).
ففيه دلالة على أن القول قوله فى قدر الحق حيث أوعد فيما يملى على الكاتب ألا ينقص من حق الطالب شيئا.
وقوله تعالى : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ) ، قال قائلون : هذا كله واحد : السفيه ، والضعيف ، والذى لا يستطيع (٢) أن يمل.
وقال آخرون (٣) : بل هو مختلف ، السفيه هو الصغير ، فليملل وليه. والضعيف هو المريض الذى لا يقدر أن يملّ. والذى لا يستطيع أن يمل هو الجاهل الذى لا يعرف أن يمل.
ثم اختلف فى الولى :
قال بعضهم (٤) : الولى : هو صاحب الحق ، يملّ بالعدل بين يدى من عليه الحق ؛ لئلا يزيد على ذلك شيئا ، فإن زاده أو نقصه أنكر عليه صاحبه.
وقال آخرون : الولى هو وصى الصغير ، أو ذو النسب منه.
__________________
(١) سقط فى ط.
(٢) فى أ : لا يقدر.
(٣) قاله السدى ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٣٤٦) ، وعن الضحاك (٦٣٤٧).
(٤) قاله الربيع ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٣٤٨).