الأمان.
ونحن نقضى بعض أحكام الأمان بالشاهد الواحد إذا كان عدلا. واليمين باب ما يحتاط فيه إذا شهد شاهد أنه أمنه لم يقبل ، ولكن يسترق. وأما الأموال فإن الاحتياط فى ذلك ترك القضاء إلى أن تقوم الحجة التى تزيل الشبهة من جميع الوجوه. وبالله التوفيق.
وأما شهادة النساء : فإنها جائزة فى الأموال وفى غير الأموال إلا فى الحدود خاصة ، فإنها غير مقبولة. أما جوازها فى غير الحدود ؛ لأن الله تعالى ذكر التداين ، وذكر فى التداين الأجل ، والأجل ليس بمال. ثم أجاز شهادتهن فى التداين وفى الأجل الذى ليس هو بمال ؛ دل ذلك أن علة جواز شهادتهن ليس هو المالية نفسها ، وأجيزت شهادتهن فيما لا مالية فيه وهو الأجل ؛ فظهرت أن علتها ليست مالية.
وأما بطلان شهادتهن فى الحدود ؛ فلأن شهادتهن إنما أجيزت بحكم البدل عن شهادة الرجال ، والأبدال فى الحدود غير مقبولة نحو الوكالات والكفالات ؛ فعلى ذلك شهادتهن لما كانت جوازها بحكم البدل لم تقبل ، ولأنهن جعلن على السهو والغفلة ونقصان العقل والدين ؛ لقوله صلىاللهعليهوسلم : «إنهن ناقصات عقل ودين» (١). فإذا كان كذلك أورث ذلك شبهة فى الحدود ، والحدود مما يبتغى فيها الدرء ؛ لذلك لم تقبل. والله أعلم.
ولأن شهادتهن إنما ذكرت فيما يبتغى (٢) به الإعلام والإعلان ، لا الإسرار. فعلى ذلك تقبل شهادتهن فيما يبتغى ذلك المعنى. وأما الحدود وما يلزم بها ذلك إنما يبتغى (٣) فى ذلك الإسرار والستر ؛ لذلك قلنا بأن شهادتهن تجوز فى النكاح والطلاق والعتاق ؛ لأن النكاح يبتغى فيه الإعلان على ما جاء : «أعلنوا النكاح» ؛ لذلك قبلت. والله أعلم.
ومعنى آخر : أن الخصم أجاز شهادة النساء بالانفراد فى كل شىء ما خلا الحدود والقصاص ؛ لذلك قبل بالرجال. ولأن شهادة النساء أجيزت فى الأصل توسيعا ، فلا يجوز أن ترد فيما يتوسع ، وتقبل فيما يضيق ، وأمر النكاح والطلاق فى الشهادة أوسع ، فهو أحق أن يقبل.
وقوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ)
فإن قال قائل : كيف جاز استشهاد المرأتين عند وجود الرجلين؟ والله أمر باستحضار الرجلين عند الحاكم للشهادة ، لا أمر بالإشهاد عليها ؛ لذلك قال عزوجل : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا
__________________
(١) تقدم.
(٢) فى أ : ينبغى.
(٣) فى أ : ينبغى.