تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ..). الآية ؛ فخرج الكفار من خطاب الآية ؛ لذلك لم تقبل شهادتهم على أهل الإسلام.
وأما العبيد فلم يدخلوا تحت هذا الخطاب لوجوه :
أحدها : ما ذكرنا : أن ظاهر الخطاب للأحرار دون العبيد ، لما لا يملكون هم التداين والتبايع ؛ فعلى ذلك خطاب الشهادة.
فإن قيل : أليس العبيد يملكون التبايع والتداين؟ قيل : يملكون بالإذن والتولية لا بملك أنفسهم فذلك القدر من التداين وغيره ، يملك الكفار ، ثم لم يجب قبول شهادتهم ، ولا دخلوا تحت ذلك الخطاب ؛ فكذلك العبيد.
والثانى : ما قاله عزوجل : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) ، ثم لا يملك العبيد الإجابة لكل ما دعوا لحق السادات ؛ فعلى ذلك ليس عليهم الإجابة فى الشهادة لحق السادات. والله أعلم.
والثالث : أن الله تعالى قسم الشهادة قسمة الميراث بقوله : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) ، وقال فى الميراث : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء : ١١] ، ثم لا حظ للعبيد فى الميراث ؛ فعلى ذلك لا حظ لهم فى الشهادة.
والرابع : أن الشهادات تجرى مجرى الولايات والتمليكات ، ثم لا ولاية تكون للعبد على غيره ولا تمليك ؛ فعلى ذلك الشهادة ، إذ فيها ولاية وتمليك الحاكم الحكم. والله أعلم. وعلى هذا بطلت شهادة الكفار على أهل الإسلام لما لا ولاية لهم عليهم.
والخامس : أن الشهود بين حالين : بين أن يصدقوا فتمضى شهادتهم ، وبين أن يكذبوا فيضمنوا. ولما كان العبيد إذا كذبوا فى شهادتهم لم يضمنوا ؛ لأن ضمان الشهادة ضمان معروف ؛ لأنه لا بدل له بإزاء من لم يكن من أهل الشهادة ؛ دل أنهم ليسوا من أهل الشهادة.
وعلى ذلك قلنا : إن النكاح يجوز بشهادة الفاسق والمحدود فى القذف ، وأنهما من أهل الشهادة فيه ؛ لأنهما من أهل الضمان ، وإن كانت شهادتهما ردت لتهمة الكذب فى سائر الحقوق. وأما العبد : فليس هو من أهل الشهادة بحال ، للمعنى الذى وصفنا. والله أعلم.
وإلا القياس يقتضى أن تجوز شهادة العبيد ؛ لأنها من حق الله ، ودليله قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) [الطلاق : ٢] ، وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) [المائدة : ٨]. فإذا كانت من حق الله تعالى ، وحقوق الله تعالى لا يختلف