العبيد والأحرار فيها ، فيجب أن تقبل شهادتهم ، لكنها لم تقبل للوجوه التى ذكرناها. والله أعلم.
وقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) ، إلى أن قال : (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) :
قد ذكرنا فيما تقدم أنهن لما جبلن وطبعن على فضل سهو وغفلة ، ضمت إليها أخرى لتذكرها الشهادة إذا نسيت.
وفى الآية دلالة أن الرجل إذا نسى الشهادة ، ثم ذكر فتذكر ، يجوز أن يشهد. وأما إذا أخبر بالشهادة ولم يتذكر ، لم يجز له أن يشهد ؛ لقوله : (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ، إذ لم يقل : «فتخبر إحداهما الأخرى».
وقوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) :
فيه دلالة أن من المسلمين من لا يكون مرضيّا ، وكذلك فيهم من يكون عدلا ومن لا يكون عدلا ، دليله قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢] ، لأنه لو لم يكن فيهم مرضيا وغير مرضى لكان يقول : «وأشهدوا رجلين منكم» ، ولم يشترط فيه العدالة والرضاء.
وهو على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : المسلم لا يكون غير عدل ولا غير مرضى. وفى الآية التى ذكرنا دلالة ما قلنا. والله أعلم.
وفى قوله : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) ، دلالة أن الشهود إذا شهدوا على المدعى عليه بالحق ، وهم مرضيون عنده ، يجب أن يؤدى إليه حقه ؛ لأنا قلنا : إن قوله : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) ، أمر باستحضارهم عند الحاكم ، فإذا كان كذلك فهو دليل ما قلنا. والله أعلم.
وقوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) :
اختلف فيه :
قيل : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) للإشهاد.
وقيل (١) : لا يأبوا إذا ما دعوا للأداء. وهذا أشبه ؛ لأن للشهود أن يقولوا : أحضر الخصم هاهنا لتشهدنا عليه ، فإنا لا نحضر المكان الذى هو فيه. وليس هذا القول فى الأداء ، إذ الأداء لا يكون إلا عند الحاكم ؛ لذلك كان أولى ، كقوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٣٦٦).