مقبوضا.
والثانى : أنه إنما يقبض ليستوفى منه الدين ، ولا يستوفى إلا بعد القبض ، أو يأخذ ليأخذ الدين منه من غير بخس فيه ولا منع عنه.
ووجه آخر ـ فيما لا يجوز الرهن إلا مقبوضا ـ لأنه جعل وثيقة ، فلا جائز أن يكون وثيقة وهو فى يدى الراهن غير محبوس ولا ممنوع عن منافعه ؛ فدل ما ذكرنا من طلب الناس بعضهم من بعض الرهون ، أنهم طلبوا وثيقة. فإذا كان وثيقة فهو إنما يكون وثيقة إذا كان فى يدى المرتهن محبوسا عن صاحبه. ألا ترى أن الكاتب أمر بأداء الأمانة إذا أمن بعضهم بعضا بغير رهن ، فلو كان الرهن يكون رهنا فى يدى الراهن لذكر فيه أداء الأمانة فى الرهن ، ولم يكن لذكر القبض وجه ؛ لذلك قلنا : إن الرهن لا يجوز إلا أن يكون مقبوضا محبوسا عن منافع صاحبه.
وقوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) فيه دلالة ضمان الرهن دلالة استيفاء الدين من الرهن ؛ لأنه إنما ذكر الأداء فيما أمن بعضهم بعضا بلا رهن ، ولم يذكر الأداء فيما فيه الرهن ، فلو لا أن جعل فى الرهن استيفاء الحق والدين وإلا لذكر الأداء فيه كما ذكر فى الرهن فدل أنه مضمون به إذا هلك ، هلك به. والله أعلم.
وأيضا قوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) فيه دليل لقولهم فى الشركات : إنه يكتب اشتركا على تقوى الله وأداء الأمانة [؛ لأن كل واحد منهما أمين فى ذلك ، لذلك ذكر فيه تقوى الله وأداء الأمانة](١) كما ذكر ـ عزوجل ـ تقوى الله وأداء الأمانة فيما اؤتمن.
وقوله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ذكر إثم القلب ، والإثم موضعه القلب لكنه يشيع فى الجوارح ويظهر على ما روى : «إن فى النفس مضغة إذا صلحت صلح البدن ، وإذا فسدت فسد البدن».
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : وفيه دلالة أن المأثم تعمد القلوب بأى شىء كان ؛ فلذلك وصف القلب بأنه آثم ؛ وهو كقوله : (يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) ، وكذا قوله (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الآية.
قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط فى ط.