وقوله : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) اختلف فيه :
قال بعضهم : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) لا يشغل الكاتب ولا الشهيد ، فيقول له : اكتب لى كذا ، واشهد لى على كذا ، وهو يجد غيره.
وقال آخرون (١) : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) أى لا يضار كاتب صاحب الحق ، فيكتب ما لا ينبغى أن يكتب بالزيادة والنقصان ، وكذلك الشاهد لا يزيد على الحق ولا ينقص من الحق شيئا ، ولا يكتم الشهادة أيضا. فهذا أقرب. والله أعلم.
فإن قيل : إذا كان المعنى راجعا إلى ما ذكرت ألا يزيد الكاتب ولا ينقص ألا قال : لا يضار بالرفع؟
قيل : إنه لا يضاره فطرحت إحداهما فإذا طرحت انتصبت علامة للطرح إذ هكذا عمل الإضمار.
وعن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : «الإضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غنى : إن الله أمرك ألا تأبى إذا ما دعيت فتضاره بذلك».
وقوله : (وَإِنْ تَفْعَلُوا) أى : تضاروا فإنه فسوق بكم ؛ هذا يدل على أن التأويل هو ما ذكرنا من النهى عن الزيادة والنقصان والتحريف والكتمان ؛ إذ فى ذلك خروج عن الأمر.
والفسق هو الخروج عن الأمر كقوله (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف : ٥٠] وهو على المعتزلة ؛ كقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) فى المضارة من الزيادة والنقصان والكتمان (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) الحكم والأدب وما يحل وما لا يحل (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) حرف وعيد.
وقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).
قد ذكرنا فيما تقدم فى الأمر بالكتابة والإشهاد : أنهما ـ والله أعلم ـ لحفظ الحقوق ، ما جل منها وما دق ، وألا يحملهم على الإنكار والجحد ، وأن يذكرهم ذلك حتى لا ينسوا ، فعلى ذلك الأمر بالرهان لئلا يؤخر قضاء الدين ويذكرون ولا ينسون ، والله أعلم.
ثم فيه دلالة ألا يجوز الرهن إلا مقبوضا ؛ لأن الرهن يقبض لأمرين :
أحدهما : لأنه إذا كان مقبوضا محبوسا عن صاحبه عن جميع أنواع منافعه ذكره وتقاضاه لقضاء دينه ، وإذا كان فى يديه لم يتقاضاه على ذلك ؛ لذلك قلنا : إنه لا يجوز إلا
__________________
(١) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٤٠٧).