بد (١) أن يكون فى الآيات ما يتمكن معه المحنة من المعنى. والله أعلم.
وأما قوله عزوجل : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) قيل : الحق هاهنا هو العذاب ، كأنه أمره أن يسأل بإنزال العذاب عليهم.
وقيل : (احْكُمْ بِالْحَقِّ) ، أى احكم بحكمك الذى هو الحق.
فإذا كان ما ذكر محتملا ، دل أنه ليس على ما ذهب إليه أولئك. والله أعلم.
وقوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا).
قيل (٢) : «الإصر» ، هو العهد ، ويقول : لا تحمل علينا عهدا تعذبنا بتركه ونقضه كما حملته على الذين من قبلنا. وكان من قبلهم إذا خطّئوا خطيئة حرم الله عليهم على نحوها مما أحل لهم الطيبات ، كقوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء : ١٦٠] ، وكأصحاب الأخدود ، وغيرهم. فخاف المسلمون ذلك فقالوا : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) ، فى جرم أجرمناه فتحرم علينا الطيبات.
وأصل (٣) «الإصر» ، الثقل والتشديد (٤) الذى كان عليهم من نحو ما كان توبتهم الأمر بقتل بعضهم بعضا ، كقوله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤].
وقوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ)
يحتمل وجهين :
يحتمل : أن (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من القتل والهلاك ، إذ فى ذلك إفناؤهم ، وفى الفناء ذهاب طاقتهم.
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ : أى مما نشتغل عما أمرتنا ، فيكون كالدعاء بالعصمة. والله أعلم.
ويحتمل : أن يراد به طاقة الفعل ، وهى لا تتقدم عندنا الفعل. والله أعلم.
وقوله تعالى : (وَاعْفُ عَنَّا)
قيل : اتركنا على ما نحن عليه ، ولا تعذبنا.
وقوله تعالى : (وَاغْفِرْ لَنا).
أى : استر لنا. و «الغفر» ، هو الستر ؛ ولذلك يسمى المغفر «مغفرا» ؛ لأنه يستر. وستر
__________________
(١) فى ب : لا فرق.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٥١٢) ، وعن قتادة (٦٥٠٩) ، ومجاهد (٦٥١٠ ، ٦٥١١) ، وغيرهم.
(٣) قاله الربيع ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٥٢٠).
(٤) فى أ : والشدائد.