مما يتقى ويحذر ؛ لذلك كان ما ذكرنا ـ والله أعلم ـ لأنه لو اجتهد عن فعل السهو والنسيان سلم عنه ، فجائز أن يسأل السلامة عنهما ، إذ بالجهد يسلم عنه ، وبالغفلة يقع فيه.
والثالث : ما ذكرنا : أن النسيان هو الترك ، والخطأ هو ارتكاب المنهى ، والتارك لأمر الله ، والمرتكب لنهيه يستوجب العقاب عليه. والله أعلم. فيصبح الدعاء على ذلك ؛ لئلا يلحقهم العذاب بترك ذلك الأمر وارتكابه المنهى.
فإن قيل : ما معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»؟ (١)
قيل : إنما جاء هذا فى الكفر خاصة ، لا فى غيره ؛ وذلك أن القوم كانوا حديثى العهد بالإسلام ، يجرى على ألسنتهم الكفر على النسيان والخطأ ، وكذلك كانوا يكرهون على الكفر فيجرون على ألسنتهم الكفر مخافة القتل ، فأخبرهم النبى صلىاللهعليهوسلم أن ذلك مرفوعا عنهم.
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ : وبعد فإن فى الخبر العفو ، فيكون فى ذلك دليل جواز الأخذ ، ولعل الوعد بالعفو مقرونا بشرط الدعاء ؛ فلذلك يدعون. وذكر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا بهذا ، فأجيب إلا أن يؤمر أحد أن يدعو ابتداء. والله أعلم.
وأما قوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) [آل عمران : ١٩٤] ، ففيه وجهان :
أحدهما : أنه وعد الرسل والمؤمنين جملة الجنة. فسؤال كل منهم أن يجعله من تلك الجملة التى وعدهم الجنة.
والثانى : يسأل الختم على ما به يستوجب الموعود.
وأما الأمر بالاستغفار : فهو يخرج على وجهين :
أحدهما : ما روى : «المؤذن يغفر له مد صوته» ، فهو على استيجاب أولئك المغفرة به ؛ فعلى ذلك استغفاره ، ليغفر به بعض أمته.
والثانى : أن المغفرة فى اللغة هى التغطية والستر ؛ فكأنه يسأل الستر عليه بعد التجاوز عنه.
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ : ثم الأصل أن الاستغفار هو طلب المغفرة ، فلو كان لا يجوز له التعذيب ، فيكون التعذيب [جورا] ، فيصير السؤال فى التحقيق سؤال ألا يجور ، وذلك مما لا يسع المحنة. وكذلك لو كان مغفورا له ، كان الحق فيه الشكر لما أنعم عليه ، وفى ذلك كتمان النعمة ، والمحنة بكتمان نعم الله وكفرانها محال ؛ لذلك لا
__________________
(١) تقدم.