لمنفعة تتأمل فيه ، وينهى عن شىء لدفع ضرر يخافه. وتعالى الله عن ذلك.
وقوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا).
قيل فيه بوجهين :
قيل : (إِنْ نَسِينا) يعنى : تركنا ، كقوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ). وكقوله : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) [طه : ١١٥] ، أى : ترك.
وقوله : (أَخْطَأْنا) ، يعنى : ارتكبنا ما نهيتنا.
وقيل (١) : إنه على حقيقة النسيان والخطأ ، كأنه على الإضمار أن قولوا (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا ..). الآية.
ثم اختلف بعد هذا :
قالت المعتزلة : أمر بالدعاء بهذا تعبدا أو تقربا إليه. وكذلك قوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) [آل عمران : ١٩٤] ، وكذلك قوله : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢] ، ونحوه ، خرج الدعاء به مخرج التعبد والتقرب ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخبر أن لا يؤاخذنا بالنسيان والخطأ (٢) ، وأخبر أنه لا يخلف الميعاد ، وكذلك معلوم أنه لا يحكم إلا بالحق. وكذلك قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [محمد : ١٩] وقد أخبر أنه تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ولكنه على ما ذكرنا ، وإلى هذا يذهب المعتزلة.
وأما الأصل عندنا فى هذا : أنه جائز فى الحكمة أن يعاقب على النسيان والخطأ ، ليجتهدوا فى حفظ حقوقه وحدوده وحرماته لئلا ينسوا. ألا ترى أن الله تعالى أوجب على قاتل الخطأ الكفارة ، ثم قال : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) [النساء : ٩٢] ، فلو لم يجز (٣) أن يعاقب على النسيان والخطأ ، لم يكن لوجوب الكفارة عليه والتوبة معنى ؛ دل أنه جائز فى الحكمة المؤاخذة به.
والثانى : قوله عزوجل : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) [الكهف : ٦٣] ، وفعل الشيطان
__________________
(١) قاله ابن زيد بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٥٠٦).
(٢) أخرجه ابن ماجه (١ / ٦٥٩) كتاب : الطلاق ، باب : طلاق المكره والناسى ، حديث (٢٠٤٥) ، والعقيلى فى الضعفاء (٤ / ١٤٥) ، والبيهقى (٧ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧) كتاب : الطلاق ، باب : ما جاء فى طلاق المكره ، كلهم من طريق محمد بن المصفى ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعى عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله تعالى تجاوز لأمتى عما استكرهوا عليه وعن الخطأ والنسيان».
(٣) فى ط : فلو كان لا يجوز.