وقت ثان ، فهى كالوقت الذى لا يبقى فى وقت ثان. والله أعلم.
فإن سئلنا عن التكليف : أيكون فيما لا يطاق؟
فجوابنا : أنه فيما منعنا عنه فلا. وفيما لم نمنع ، وصنيعنا يشغلنا بغيره ، فبلى. ثم الكافر بما أعطى من القوة والاستطاعة ، شغل نفسه بغير وضيع ما أعطى من القوة. فإذا ضيع لم يكن تكليف ما لا يطيق ثم ننظر أينا أحق بالقول بتكليف ما لا يطاق.
فمن قول المعتزلة : إن القوة على الفعل ليوجده فى الوقت الثانى. ثم فى الوقت الثانى جعلوه غير قادر عليه بقدرة توجد ، ثم جعلوه أيضا غير قادر على الترك للفعل. والمتعارف من الأمر فى الظاهر بشيء يفعله فى وقت ألا يقع الأمر به وقت ما يسمعه ويقرع الخطاب السمع ، بل فى ثان من الوقت. فحصل عندهم الأمر على الوقت الذى هو غير قادر فيه. فأى تكليف على فقد الطوق والوسع أبين مما قالوا؟! وبالله التوفيق.
ثم أفحش من هذا ما قالوا : إن القدرة تتقدم الفعل ، والفعل هو الذى يدل على وجود الولاية ، وهو فى وقت إيجاد الفعل ، إن كان كفرا يعادى ، وإن كان إيمانا يوالى. فحصل القول : على أن الموالاة والمعاداة أبدا تقع فى غير وقت الانتهاء والائتمار.
ثم قولهم فى قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩] ، أنه على الجبر. ولا يحتمل ذلك ؛ لأنه قد أوجب لكل ذلك مرة بالجبر فى الخلقة ، وهو قوله : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [آل عمران : ٨٣] ، فقد ألزمهم الإسلام بالخلقة ، بان أن الثانى على الاختيار.
ثم قولهم : فى استطاعة واحدة لفعلين خطأ ؛ لأن من قولهم : إن الاستطاعة لا تبقى ، ثم وجود الفعلين معا فى وقت باستطاعة واحدة محال ، ووجود تلك الاستطاعة لأحد الفعلين بعدم الآخر مستحيل لعدم البقاء ، ووجوده عندهم على البدل (١) محال ، إذ جعلوا عين ما هو الأصل لأحدهما للآخر ؛ فثبت أنه خطأ.
وقوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)
فيه دلالة : أن الله تعالى إنما يأمر عبيده وينهى ، وإنما يأمر وينهى ؛ لمنافع لهم ولضرر يلحقهم ، لا لمنافع تكون له بالأمر فيأمر ، أو بضر يلحقه فينهى عن ذلك. فيكون الأمر جارّا منفعة ، وفى النهى دافعا مضرة. كما يكون فى الشاهد أن من أمر آخر بشيء إنما يأمر
__________________
(١) فى ط : البعض.