وهذه الآية جمع جميع شرائط الإيمان ؛ لذلك قلنا : إن الإيمان بالقرآن إيمان بجميع الكتب والأنبياء والبعث وغيره. وبالله العصمة والنجاة.
وقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)
اختلف فيه :
قال الحسن : قوله تعالى : (إِلَّا وُسْعَها) ، إلا ما يحل ويسع ، لكن بعض الناس يقولون : هذا بعيد ، لا يحتمل الآية ، إذا كلف حل ووسع. فإذا كان كذلك لم يكن لقوله معنى.
قيل له : هو كقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) ، إذا أحل طيّب وإذا طيب أحل. فكذا الأول. وكذا ذكرنا (١) الأمرين جميعا.
وتأويل ثان (إِلَّا وُسْعَها) : إلا طاقتها وكذلك قول المعتزلة : [غير أنا اختلفنا فى تقدم استطاعة الأفعال فمنعنا نحن تقدمها وقلنا لا تكون إلا مع الفعل ، وقالت المعتزلة](٢) بتقدم الفعل ، وأما عندنا : فإنها على وجهين :
استطاعة الأحوال والأسباب ، واستطاعة الأفعال.
أما استطاعة الأحوال والأسباب : فإنها يتقدمها ، وعلى ذلك يقع الخطاب ، دليله : قوله عزوجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧]. قيل : يا رسول الله ما الاستطاعة؟ قال : «الزاد والراحلة». ثم كل يجمع أن من كان بأقصى بلاد المسلمين قد يلزمه فرض الحج ، على علم كل منهم أن تلك الاستطاعة لو صرفت إلى استطاعة الأفعال لم يبق إلى وقت وجود الأفعال ، ثم قد لزمه ذلك ؛ فبان أن الكلفة إنما تقع على استطاعة الأحوال والأسباب ، وكذلك الكلفة فى جميع الطاعات.
فإن قيل : قد يقع هذا على الخروج ، فيوجد الفعل عقيب قوة الخروج ، قيل : لو كان كذا لكان لا يلزم فرض الحج إلا بالخروج ، وله ترك الخروج ، إذ باكتساب الخروج يلزمه فرض الحج ، فلا يلزم عليه فرض الحج ؛ فثبت أنه لا يحتمله ، بل هو على ما قاله أصحابنا ـ رحمهمالله ـ : إنها استطاعة الأحوال [والأسباب](٣) ، وتلك تتقدم ، لما ذكرنا. والله أعلم.
وأما استطاعة الأفعال : فإنها تحدث بحدوث الأفعال وتتلو كالأوقات التى لا تبقى فى
__________________
(١) فى أ ، ب : وقد ذكر.
(٢) ما بين المعقوفين سقط فى أ ، ط.
(٣) سقط فى ب.