وقوله : (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ).
قيل فيه بوجهين :
قيل : ذو انتقام لأوليائه من أعدائه (١).
وقيل : ذو انتقام : ذو انتصار على الأعداء.
وقيل : ذو بطش شديد (٢).
وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ).
هو وعيد ؛ كأنه ـ والله أعلم ـ قال : لا يخفى عليه ما في السموات ، و [ما في](٣) الأرض من الأمور المستورة الخفية على الخلق ؛ فكيف يخفى عليه أعمالكم وأفعالكم ، التي هي ظاهرة عندكم؟! ويحتمل : إذا لم يخف عليه ما بطن ، وخفي في الأصلاب والضمائر والأرحام ؛ فكيف يخفى عليه أفعالكم وأقوالكم ، وهي ظاهرة؟! (٤).
ألا ترى أنه قال : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ) ؛ إذ علم ما في الأرحام وصوّرها على ما شاء وكيف شاء ، وهم (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) [الزمر : ٦].
وقوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ)
فيه دليل نقض قول من يقول بالقائف (٥) ؛ لأنه جعل علم التصور في الأرحام لنفسه ، لم يجعل لغيره ، كيف عرف بالقائف تصوير الأوّل ، حتى قال الله : إنه على صورته وعلى
__________________
(١) ينظر تفسير القرطبي (٩ / ٣٨٢).
(٢) قاله محمد بن إسحاق ، أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٣٩) رقم (٥٥).
(٣) سقط من ب.
(٤) قال القرطبي : هذا خبر عن علمه ـ تعالى ـ بالأشياء على التفصيل ، ومثله في القرآن كثير ، فهو العالم بما كان وما يكون وما لا يكون ؛ فكيف يكون عيسى إلها أو ابن إله وهو تخفي عليه الأشياء؟!.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ٦).
(٥) القيافة لغة : مصدر قوف بالواو ثم قلبت ألفا فصارت قافا ، ويقال : فلان يقفو الأثر ، ويقتافه قيافة : أي : تتبعه واقتفى أثره ، وتطلق القيافة في الاصطلاح على تتبع العلامات الموجودة في شخصين أو أكثر للوصول إلى إثبات قرابة بينهما أو بينهم. والقائف : هو الذي يتبع الآثار ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيه ؛ لأنه يتبع العلامات والأمارات والصفات التي يشترك فيها الأقارب كما يتبع آثار الأقدام ويعرف اتجاهها ولمن هي.
وفي الاصطلاح : هو الذي يتبع العلامات والأمارات الموجودة في شخصين أو أكثر ليحكم بوجود صلة بينهما أو بينهم.
انظر : الصحاح للجوهري (٤ / ١٤١٩) (قوف) ، ترتيب القاموس المحيط لطاهر الزاوي (٣ / ٦٣٥) (قوف) ، اللسان (٥ / ٣٧٧٦) (قوف) ، والصحاح في اللغة والعلوم (٩٦٤) ، وفاكهة البستاني (١ / ١٢).