وعلى ذلك فى الصبى والكافر لم يدخلا فى معنى الآية ، ولا كانا يحتملان فى حال قضاء فرض الصيام ، فالقضاء فى غيره عن ذلك لا يعمل فى حق الفرض. لذلك لم يلزم.
وقد روى عن محمد (١) ، رحمهالله ، على هذا : أن من أدرك مجنونا ثم أفاق فى بعض الشهر ، أنه لا يقضى ما مضى ، على ما ذكرت.
وعن أبى حنيفة ـ رضى الله تعالى عنه ـ : أنه يقضى ، إن كان فى أول الشهر بالغا ، لما أخبرت أن صيامه لم يجز لعدم النية ، والصبى والكافر بنفسه ، ومن فوته لعدم النية ، فهو داخل فى حكم فرضه ، فعليه القضاء. والله الموفق.
ومن جن الشهر كله لا يقضى لشرط الشهود ، وهو لم يشهد شيئا منه مع إمكان الإسقاط بدليل آخر ، وإن كان حق الخطاب فى الظاهر قد اقتضاه على مثل المريض الذى لا يصح ، والمسافر الذى لا يقيم. والله الموفق.
وفى قوله : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)، دلالة أن ابتداء الآية فى غير صوم الشهر ؛ إذ صوم الشهر يحفظ بالأهلة لا بالأيام ، لكن الله تعالى إذ علم الأمر الظاهر فى الخلق أنهم يعدونه بالأيام وإن كان لهم عن ذلك غنى.
وقد روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الشهر هكذا وهكذا وهكذا بأصابع يديه كلتيهما ، وعقد إصبعا منها فى آخر المرات» (٢).
وجاء عن غير واحد أنهم قالوا : «ما كنا نصوم على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم تسعة وعشرين أكثر مما نصوم ثلاثين» (٣). فجائز ذكر قوله : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)، يعنى يعدها الخلق. والله الموفق.
__________________
ـ ينظر : المجموع (٦ / ٢٥٨) ، تبيين الحقائق (١ / ٢١٦) ، الدر المختار ورد المحتار (١ / ٥٢٧).
(١) هو محمد بن الحسن بن فرقد. نسبته إلى بنى شيبان بالولاء. أصله من (حرستا) من قرى دمشق ، منها قدم أبوه العراق ، فولد له محمد بواسط سنة ١٣١ ه ، ونشأ بالكوفة. إمام فى الفقه والأصول ، ثانى أصحاب أبى حنيفة بعد أبى يوسف. من المجتهدين المنتسبين. هو الذى نشر علم أبى حنيفة بتصانيفه الكثيرة ، مات محمد بالرى سنة ١٨٩ ه.
من تصانيفه : الجامع الكبير ، والجامع الصغير ، والمبسوط ، والسير الكبير ، والسير الصغير ، والزيادات. وهذه كلها التى تسمى عند الحنفية كتب ظاهر الرواية وله كتاب الآثار.
ينظر : الفوائد البهية ص (١٦٣) ، والبداية والنهاية (١٠ / ٢٠٢).
(٢) أخرجه البخارى (٤ / ٦١٤) كتاب الصوم ، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة (١٩٠٨) ، ومسلم (١٢ ، ١٥ ، ١٦ / ١٠٨٠) من طرق كثيرة عن عبد الله بن عمر.
(٣) أخرجه أحمد (١ / ٩٧ ، ٤٠٥ ، ٤٠٨) ، وأبو داود (١ / ٧١٠) كتاب الصيام ، باب الشهر يكون تسعا وعشرين (٢٣٢٢) ، والترمذى (٢ / ٦٨) كتاب الصوم ، باب ما جاء أن الشهر يكون تسعا وعشرين (٦٨٩). وابن خزيمة (١٩٢٢) ، والبيهقى (٤ / ٢٥٠).