وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، أى : ما حرم عليكم من أنواع اللذات بكف الأنفس عن الذى به يدعو إليها من الأغذية.
أو (تَتَّقُونَ) نقمة الله فى الآخرة ، ومخالفته فى الفعل فى الدنيا. وقد جعل الله جل ثناؤه عباداته أعوانا للمعتادين بها على الكف عن المعاصى ، والخلاف لله فى الشهوات ، فقال : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة : ٤٥] ، وقال : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥] ، وغير ذلك. والله الموفق.
والأصل : أن العبادات تذكر أصحابها عظم أحوالهم فى أوقات فيها من المقام بين يدى الجبار ، وتطلعهم على الموعود لهم فى الميعاد. وهما أمران عظيمان :
أحدهما : فى الزجر بما يعلم من عظم المقام واطلاع الواحد القهار عليه.
والثانى : فى الترغيب بما يشعر قلبه من لذيذ الموعد ما يضمحل لديه كل لذة دونه ، وتنقطع شهواته التى بينه وبين ما وعد. والله أعلم.
ثم قال : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ..). الآية ، من غير أن ذكر فطرا ، فلا أشار إلى ما ذكر من السفر والمرض اللذين جعلا له تأخير الصيام إلى أيام أخر ، ولا أشار إلى أعين تلك الأيام.
وكذلك قال مثله فيما كان عرف الوقت لابتداء الصيام بقوله عزوجل : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) على أثر المعرف له بقوله عزوجل : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ، لكن الفطر يعرف أنه مضمر فيه بالعقل والسمع :
فأما السمع : فما جاء من الآثار فى الإذن بالإفطار للسفر والمرض ؛ دل أن فى ذكر العدة (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) إضمار فطر. والله أعلم.
والعقل : أن الله تعالى جعل المرض والسفر سببى الرخص ، فلا يجوز أن يصيرا سببى زيادة فرض على ما كان قبل اعتراضهما ، على أن قوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) دليل أنه لو كان يلزم القضاء مع فرض فعل الصوم لكان ذلك عسرا وحرجا فى الدين ، وقد أخبر الله تعالى أنه ما يجعل علينا الحرج فى الدين.
وعلى ذلك قال بعض الناس : يلزمهما القضاء إن أفطرا أو لا ، محتجّا بما لم يذكر فى القرآن الإفطار ، وذكر (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) كأنه جعل الوقت لهما غير الذى هو لغيرهما.
يؤيد ذلك المروى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الصائم فى السفر كالمفطر» (١) ،
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه (٣ / ١٦٤) كتاب الصيام ، باب ما جاء فى الإفطار فى السفر (١٦٦٦) من طريق ـ