ومعلوم أن على المفطر فى الحضر القضاء. فكذلك الصائم فى السفر.
ولكن الآية عندنا على الإضمار ، وعلى ذلك يجرى ذكر الرخص على إثر ذكر الحضر (١) ، كقوله عزوجل : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة : ١٧٣] من غير ذكر الأكل أنه على إباحته.
وقال الله عزوجل : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ، ثم قال عزوجل : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) [البقرة : ١٩٦] ولم يذكر منه الإحلال ، لكنه معلوم أنه على الشك ما لم يوجد ؛ إذ لا يكون العذر سبب الزيادة فى الفرض. وكذلك قوله عزوجل : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) [البقرة : ١٩٦] ، ثم قال عزوجل : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ ..). الآية [البقرة : ١٩٦] ، وذلك على إطلاق الحلق ، ثم يلزمه الفداء ؛ لأن الأذى والمرض يلزمانه. فمثله الأول.
ثم الأصل : أنه لا أحد يلزم فرض صيام الشهر فى غيره إذا لم يدرك الشهر ، وقد أمر من نحن فى ذكره ؛ فبان أنه لزمه بإدراك الشهر لإدراك وقت الإمكان بلا عذر. وقال : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ، وقال : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) ليعلم أن الذى يلزمه بالشهر فى أوقات الإمكان. وذلك على ما يلزم الإحداث الطهارة لأوقات عبادة لا تقوم دونها ، وفعل الجنابات لأوقات الحلول وإن تأخرت فمثله أمر الشهر.
دليله ما بينا ، وما ثبت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعن صحابته : فعل الصيام فى ذلك الوقت والفطر جميعا ؛ ثبت أن الصوم يجوز على المرض والسفر ؛ إذ هما لأنفسهما لا يناقضان الصيام بما جاز معهما ، وقد أمر به المتمتع وهو المسافر ، أن ليس ذلك على حاضرى المسجد الحرام ، وذابح الصيد والمبادئ (٢) بهما لا يضادان الصيام ، ثم كان القضاء عن الشهر بظاهر التلاوة ؛ فبان أنه يجوز فيهما.
__________________
ـ أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «صائم رمضان فى السفر كالمفطر فى الحضر».
قال البوصيرى : هذا إسناد ضعيف ومنقطع ، أسامة بن زيد هو ابن أسلم ضعيف ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئا قاله ابن معين والبخارى.
قلت : وللحديث طريق أخرى ، أخرجه النسائى (٤ / ١٨٣) ، كتاب الصيام ، باب قوله : «الصائم فى السفر كالمفطر فى الحضر» ، من طريق ابن أبى ذئب عن الزهرى عن أبى سلمة عن عبد الرحمن ابن عوف موقوفا.
(١) فى أ : الخطر.
(٢) فى أ : والمنادى.