وإذا جاز ثبت أن التأخير رخصة والفضل فى الفعل. والله أعلم.
والخبر على من يجهده الصيام حتى خيف عليه ، وكذلك ما جاء من الآثار : «أن ليس من البر الصيام فى السفر» (١). والله أعلم.
وعلى هذا يخرج قول أصحابنا فى المكره على الفطر (٢) : أنه إن كان مريضا أو مسافرا
__________________
(١) أخرجه البخارى (٤ / ١٨٣) كتاب : الصوم ، باب : قول النبى صلىاللهعليهوسلم لمن ظلل عليه واشتدّ الحر : «ليس من البر الصوم فى السفر» ، حديث (١٩٤٦) ، ومسلم (٢ / ٧٨٦) كتاب : الصيام ، باب : جواز الصوم والفطر فى شهر رمضان للمسافر فى غير معصية ... ، حديث (٩٢ / ١١١٥) ، وأبو داود (٧٩٦٢) كتاب : الصوم ، باب : اختيار الفطر ، حديث (٢٤٠٧) ، والنسائى (٤ / ١٧٥) كتاب : الصيام ، باب : العلة التى من أجلها قيل ذلك ، وذكر الاختلاف على محمد بن عبد الرحمن فى حديث جابر بن عبد الله فى ذلك ، والطيالسى (١ / ١٨٩) كتاب : الصيام ، باب : الرخصة فى الفطر للمسافر فى رمضان حديث (٩١٠) ، وأحمد (٣ / ٢٩٩) ، والدّارمى (٢ / ٩) كتاب : الصوم ، باب : فى السفر ، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (٢ / ٦٢) كتاب : الصيام فى السفر ، وأبو نعيم فى الحلية (٧ / ١٥٩) ، والبيهقى (٤ / ٢٤٢) كتاب : الصيام ، باب : تأكيد الفطر فى السفر إذا كان يجهده الصوم ، والخطيب (١٢ / ١١٨) ، وابن خزيمة (٣ / ٢٥٤) ، وأبو يعلى (٣ / ٤٠٣) ، وابن الجارود فى المنتقى رقم (٣٩٩) من حديث جابر.
(٢) الإكراه : هو حمل الإنسان غيره ، على فعل أو ترك ما لا يرضاه بالوعيد. ومذهب الحنفية والمالكية أن من أكره على الفطر فأفطر قضى. قالوا : إذا أكره الصائم بالقتل على الفطر ، بتناول الطعام فى شهر رمضان ، وهو صحيح مقيم فمرخص له به ، والصوم أفضل ، حتى لو امتنع من الإفطار حتى قتل ، يثاب عليه ؛ لأن الوجوب ثابت حالة الإكراه ، وأثر الرخصة فى الإكراه هو سقوط المأثم بالترك ، لا فى سقوط الوجوب ، بل بقى الوجوب ثابتا ، والترك حراما ، وإذا كان الوجوب ثابتا ، والترك حراما ، كان حق الله تعالى قائما ، فهو بالامتناع بذل نفسه لإقامة حق الله تعالى ؛ طلبا لمرضاته ، فكان مجاهدا فى دينه ، فيثاب عليه. وأما إذا كان المكره مريضا أو مسافرا ، فالإكراه ـ كما يقول الكاسانى ـ حينئذ مبيح مطلق ، فى حق كل منهما ، بل موجب ، والأفضل هو الإفطار ، بل يجب عليه ذلك ، ولا يسعه ألا يفطر ، حتى لو امتنع من ذلك ، فقتل ، يأثم. ووجه الفرق : أن فى الصحيح المقيم كان الوجوب ثابتا قبل الإكراه من غير رخصة الترك أصلا ، فإذا جاء الإكراه ـ وهو سبب من أسباب الرخصة ـ كان أثره فى إثبات رخصة الترك ، لا فى إسقاط الوجوب. وأما فى المريض والمسافر ، فالوجوب مع رخصة الترك ، كان ثابتا قبل الإكراه ؛ فلا بد أن يكون للإكراه أثر آخر لم يكن ثابتا قبله ، وليس ذلك إلا إسقاط الوجوب رأسا ، وإثبات الإباحة المطلقة ؛ فنزل منزلة الإكراه على أكل الميتة ، وهناك يباح له الأكل ، بل يجب عليه ؛ فكذا هنا. وفرق الشافعية بين الإكراه على الأكل أو الشرب ، وبين الإكراه على الوطء : فقالوا فى الإكراه على الأكل : لو أكره حتى أكل أو شرب لم يفطر ، كما لو أوجر فى حلقه مكرها ؛ لأن الحكم الذى يبنى على اختياره ساقط لعدم وجود الاختيار. أما لو أكره على الوطء زنّى ، فإنه لا يباح بالإكراه ، فيفطر به ، بخلاف وطء زوجته. واعتمد العزيزى الإطلاق ، ووجّهه بأن عدم الإفطار لشبهة الإكراه على الوطء ، والحرمة من جهة الوطء ، فعلى هذا يكون الإكراه على الإفطار مطلقا بالوطء والأكل والشرب ، إذا فعله المكره لا يفطر به ، ولا يجب عليه القضاء إلا فى الإكراه على الإفطار بالزنى ؛ فإن فيه وجها بالإفطار والقضاء عندهم. وهذا الإطلاق عند الشافعية ، هو مذهب الحنابلة أيضا : فلو أكره على الفعل ، أو فعل به ما أكره عليه ، بأن صب فى حلقه مكرها أو نائما ، كما لو أوجر المغمى عليه معالجة لا ـ