لا يسعه ألا يفطر لما جاء فى ذلك من الوعيد فى الفعل فى السفر فى حال الضرورة ، ويسعه لو كان صحيحا مقيما لما لم يذكر له الرخصة ، ويلزمه فيه القضاء ، مع ما فيه ؛ إذ لم يكن ظهر الإذن فى تلك الحال كان كفه عنه تعظيما لأمر دينه ، من غير أن ذكر له فى الدين النهى عنه ، فهو فى سعة ، وليس كالمكره على أكل الميتة ، ما ليس ذلك بذى بدل. وقد فرق بين ذى بدل وما لا بدل له ، نحو إتلاف مال آخر ، وأكل الميتة ، ولأن علته الاضطرار وليست علة الفطر فى السفر تلك ، إذ قد يجوز ، لا له ، فهو عذر النفس ، لا ضرورة النفس ؛ فكأنه غير معقول العلة ، وفيه تعظيم الدين. وليس فى أكل الميتة وما ذكر. ولا قوة إلا بالله.
ثم السفر الذى له الرخص (١) : أجمع أنه لم يرد به المكان ، لما جاء الفطر فى الأمصار ، ثبت أنه لنفس السفر.
ثم كان السفر ـ حقيقته الظهور [و] الخروج عن الأوطان ، وقد يكون مثله فى الخروج عن الأوطان إلى الضياع ونحوه ، ولم يؤذن فى الفطر ؛ ثبت أنه راجع إلى الحد ، وعلى ذلك متفق القول.
ثم كان الحد المرخص عندنا : الخروج على قصد سفر ثلاثة أيام لخصال ثلاث :
أحدها : الإجماع على أن هذا الحد مرخص ودونه تنازع. والتنازع يوجب النظر ؛ لا الفتوى (٢) بالرخص ، وفى ذلك أمر بفعل الصيام.
والثانى : مجىء الخبر من وجهين :
أحدهما : فى تقدير مسح السفر بثلاثة أيام ، ومعلوم أنه جعل للسفر حدّا ووقتا لفعل رخصة المسح وأوقات الأفعال على اختلافها. يتفق على أنها لا تقصر عن احتمال الأفعال على الوفاء ، وليس بما لم يدخل الليالى فى حق السفر عبرة ؛ لأن الأسفار وإن كانت مؤسسة على قطع الطرق والسير فيها ، فإن دوام السير يجحف صاحبه ويهلكه ، وفى ذلك منع السفر ؛ ثبت أن أوقات السعى والسير مشترطة داخلة فى حق السفر.
لذلك صارت الليالى كالمعفوة ، فتكون محيطة بما فيها من فعل المسح.
والثانى : ما جاء من الأثر فى النهى عن سفر ثلاثة أيام إلا لمحرم (٣). وهو المنهى لما
__________________
ـ يفطر ، ولا يجب عليه القضاء ؛ لحديث : «وما استكرهوا عليه».
ينظر : البدائع (٢ / ٩٦ ، ٩٧) ، والإقناع وحاشية البيجرمى (٢ / ٣٢٩) ، وكشاف القناع (٢ / ٢٢٠)
(١) فى أ : المرخص.
(٢) فى ط : للفتوى.
(٣) ورد من حديث ابن عمر ، وأبى هريرة ، وأبى سعيد الخدرى ، وابن عباس. ـ