ويدعوهم إليها ، ويريهم زينتها ـ فنعم. وإن عنوا أنّه يزينها بحيث نفّسها لهم ـ فلا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ وصف الشيطان بالضعف ، ونفي عنه هذه القدرة بقوله : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) [النساء : ٧٦] ، فلو جعلنا له التزيين لهم على ما قالوا ، لم يكن كيده على ما وصفه ـ عزوجل ـ بالضعف ؛ ولكن كان قويّا ، ولكنه يدعوهم إليها ، ويرغبهم فيها ، ويريهم المزين لهم ، ثم دعاؤه إيّاهم ، وحجّته في ذلك ، وقوته من حيث ما لا يطلع عليه بقوله : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف : ٢٧] ، فالعدو الّذى يرى هو من يعاديه ، ولا يرى هو ـ كان يجب أن يكون أحذر منه ، وأخوف ممن يرى.
ووجه آخر : أن الشهوات التي أضاف التزيين (١) إليها لا خلاف بينهم في أنها مخلوقة لله [تعالى](٢) ، فما بقى للشيطان إلا الدعاء إليها ، والترغيب فيها.
وفيه وجه آخر : أنه لو لم يجعل هذا مزينا من الله تعالى (٣) ، زال موضع استدلال الشاهد على الغائب ، وبالدنيا (٤) على الآخرة. وقد جعل ما في الدنيا نوعين : مستحسنا ومستقبحا.
وجعل ذلك عيارا لما أوعد ووعد ، فلما لم يكونا منه ـ لا يصح موضع التعيير ، لأنه ـ جلّ وعلا ـ بلطفه سخّر كلّ مرغوب في الدّنيا ، ومدعو إليه من جوهره ـ في الآخرة ، وحسنه ؛ ليرغب الناس هذا إلى ما في الجنة بحسنه ولطفه وزينته ، ويدعوهم إلى ترك ما في الدّنيا من الفاني إلى نعيم دائم أبدا ، فلو جعل هذا من تزيين (٥) الشيطان ـ لعنه الله ـ ومصنوعه لهم ، لذهب عظيم موضع الاستدلال الذي ذكرنا ؛ فدلّ أنه مزين منه عزوجل ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
ثمّ امتحنهم [الله](٦) ـ عزوجل ـ بترك ما زين لهم في الطباع ؛ بما ركب لهم من العقول الوافرة ؛ ليختاروا ما حسن في العقول وتزين ، وعلى ذلك جرت الكلفة والخطاب ، لا بما مالت إليه الطباع ، ونفرت عنه العقول ، وبالله التوفيق.
ثم في الآية دلالة وجوب الحق (٧) في كل ما ذكر في الآية من المال ، وكذلك الخيل ،
__________________
(١) في ب : التزين.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : عزوجل.
(٤) في ب : الدنيا.
(٥) في ب : تزين.
(٦) سقط من ب.
(٧) الحق : هو الزكاة. روت فاطمة بنت قيس أنها قالت : «سئل النبي صلىاللهعليهوسلم عن الزكاة ، فقال : إن في المال لحقّا سوى الزكاة». ـ