وقيل : «شهد الله» أي : علم الله أنه لا إله إلا هو ، وكذلك علم الملائكة وأولو العلم أنه لا إله إلا هو ، فإن قال لنا ملحد (١) : كيف صح ، وهو دعوى؟!
قيل : لأن دعوى من ظهر صدقه في شهادته إذا شهد ، وهو مقبول ، وهو بما ادعى من الألوهية والربوبية ؛ إذا لم يستقله أحد ـ ظهر صدقه ، وقهر كل مكذب له في دعواه ، وبالله النجاة (٢).
وقوله : (قائِماً بِالْقِسْطِ) :
أي : حافظ ومتولّ ؛ كقوله : (قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣] ، أي : حافظ لها ومتولّ ؛ كما يقال : فلان قائم على أمر فلان ، أي : حافظ لأمره ، ومتعاهد لأسبابه.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : وقيل : هو عادل ، أي : لا يجوز ، لا أن ثم معنى القيام ؛ كقوله : (قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) [النساء : ١٣٥] : مقسطين ، لا أن ثم للقيام فيه معنى يسبق الوهم إليه ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ)
قال قائلون : إن الدّين الذي هو حق [من](٣) بين الأديان ، وهو الإسلام ؛ لأن كل أحد منهم ممن دان دينا يدعي أنّه هو دين الله الذي أمر به.
وقال قوم : إن الدّين الذي أمر به الآمر من عند الله هو دين الإسلام ؛ لأنهم كانوا مع اختلافهم مقرين (٤) بالإيمان ، لكن بعضهم لا يقرون بالإسلام ؛ فأخبر ـ [عزوجل](٥) ـ أن الدّين الذي أمر به وفيه التوحيد هو دين الإسلام ، لا غيره ؛ ألا ترى أنه قال : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً ..). [آل عمران : ٦٧] : أخبر [عز
__________________
ـ الهمام ص (٥٠) ، التوحيد للماتريدي ص (٢٨٨) ، شرح الجوهرة للبيجوري ص (٤٦).
(١) ألحد فلان : مال عن الحق ، والإلحاد ضربان : إلحاد إلى الشرك بالله ، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب ، فالأول : ينافي الإيمان ويبطله ، والثاني : يوهن عراه ولا يبطله.
ينظر : التوقيف على مهمات التعاريف ، للدكتور : محمد رضوان الداية ص (٦١٨).
(٢) قال العلامة القاسمي : قال العارف الشعراني في كتاب «الجواهر والدرر» : سألت أخي أفضل الدين : لم شهد الحق ـ تعالى ـ لنفسه بأنه لا إله إلا هو؟ فقال ـ رضي الله عنه ـ : لينبه عباده على غناه عن توحيدهم له ، وأنه هو الموحد نفسه بنفسه. فقلت له : فلم عطف الملائكة على نفسه دون غيرهم؟ فقال : لأن علمهم بالتوحيد لم يكن حاصلا من النظر في الأدلة كالبشر ، وإنما كان علمهم بذلك حاصلا من التجلي الإلهي. وذلك أقوى العلوم وأصدقها ؛ فلذلك قدموا في الذكر على أولي العلم ، وأيضا فإن الملائكة واسطة بين الحق وبين رسله ؛ فناسب ذكرهم في الوسط ، فاعلم ذلك.
ينظر : محاسن التأويل (٤ / ٦٧).
(٣) سقط من ب.
(٤) في ب : مقرون.
(٥) سقط من ب.