وجل](١) أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ليس على دين سوى دين الإسلام ، والإسلام هو الإخلاص ، على ما ذكرنا فيما تقدم (٢) ، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : «شهد الله أنّه لا إله إلّا هو ، والملائكة شهدوا وأولو العلم : أنّ الدّين عند الله الإسلام ، وأنّه قائم بالقسط ، والقسط : هو العدل فى جميع القرآن» (٣).
وقوله : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) :
يحتمل وجهين.
يحتمل الاختلاف : التفرق ، أي : تفرقوا في الكفر ؛ كقوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) الآية [آل عمران : ١٠٥]. ويحتمل : الاختلاف : نفس الاختلاف في الدين ؛ كقوله : (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) [البقرة : ٢٥٣] : أخبر أنهم لم يختلفوا عن جهل ؛ ولكن عن علم وبيان ؛ كقوله : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ).
ثم يحتمل قوله : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) وجهين : أي : لم يختلفوا إلا من بعد ما علموا وعرفوا.
ويحتمل : أي : لم يختلفوا إلا من بعد ما أوتوا أسباب : ما لو تفكروا وتدبّروا ـ لوقع العلم لهم بذلك والبيان ، لكنهم تعنتوا (٤) وكابروا ؛ فاختلفوا.
ثم في الآية دليل ألا يجوز أن يفسّر قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] ، وقوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) [البقرة : ٢١٠] ونحوه : بالانتقال من حال إلى حال ، أو من مكان إلى مكان ؛ لأنه ذكر مجىء العلم ، والعلم لا يوصف بالمجيء ولا ذهاب ، وكذلك قوله : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) [الإسراء : ٨١] : ذكر مجىء الحق وزهق الباطل ؛ فهما لا يوصفان بمجيء الأجسام ، وذهابهم بالانتقال والتحول من مكان إلى مكان ، ولا يعرف ذلك ولا يصرف إليه ؛ فعلى ذلك لا جائز أن يصرف قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] ، (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [يونس : ٣] ، ونحوه ـ إلى المعروف من استواء الخلق ومجيئهم ؛ لتعاليه عن ذلك (٥) ، قال : والمجىء لا يكون عن الانتقال خاصة ؛ بل يكون مرة ذاك وأخرى غيره ،
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) تقدم في سورة البقرة ، الآيات (١٣١ ـ ١٣٣).
(٣) سيأتى تخريجه بعد قليل ، وهذه قراءة ابن عباس فيما حكي الكسائي كما في تفسير القرطبي (٤ / ٢٨).
(٤) العنت : المكابرة عنادا ، واللجاج في العناد ، يقال : جاء فلان متعنّتا ، أي : طالبا زلته. والعنت في كلام العرب : الجور والإثم والأذى.
ينظر : تاج العروس (٥ / ١٤ ، ١٥) (عنت).
(٥) قال الإمام ابن كثير في تفسيره (٢ / ٢٢٦): «للناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدّا ، ليس هذا ـ