يوصل إليه ، واختيارهم ما به يبلغون ما يأملون من أنواع الحيل التي تقربهم إلى ذلك ، فمثله يلزم أمر الملك ولذّات الدّنيا ، وتقرر في قلوبهم وجود ذلك لقوم ؛ لو كان ينال بالتدبير أو بحسن السياسة ، وطلب ذلك من الوجوه التي يطلب بها البشر ـ لم (١) يكن الدين لهم ذلك بأحق من غيرهم ؛ بل كان فيمن حرموا من هم أولى بذلك ، وأحق أن يكون في ذلك متبوعا لا تابعا من الذين نالوه ؛ ليعلم أن الذي يملك دفع ذلك إلى أحد أو تمليكه أحدا ، غير الذين (٢) صرفوا كدحهم ، وجعلوا له سعيهم ؛ فيكون لله في كل أمر ممّا عليه أمر البشر آية عظيمة ، وعلامة لطيفة على تفرده بملك ذلك ، وتوحّده بالتدبير فيه لمن له بصيرة ولمن به يمتحن عباده.
وعلى ذلك إذ ثبتت في ذلك أدلة التوحيد ، ولزوم الاعتبار به ؛ ليعرف من له الحق ـ ثبت القول ببطلان ما ينكره كثير من المعتزلة ؛ أن الملك الذي ناله الجبابرة ، والسعة التي تصل إلى الكفرة ـ لم يكن نالوه بتقدير الله ، ولا وصلوا إليه بتدبيره ؛ إذ حقه ما ذكرت من عظيم ما فيه من النعم ؛ ليلزمهم به أرفع المحن وأعلى الشكر ، وله أن يبلو بالحسنات والسّيئات ؛ كما وعد عزوجل ؛ وجملته : أن الدنيا إذ هي دار محنة ومكان ابتلاء ، فليس الذي يعطي منه على الاستحقاق ، ولا ما يمنع على العقوبة (٣) ـ وإن احتمل الدفع والمنع لذلك ـ ولكن له وللمحن ، والمحنة أكثرها على مخالفة الأهواء ، وتحمل المكاره ، ويكون ذلك على إعطاء ما يعظم في أنفسهم ، أو التمكين ليمتحنوا ؛ فيتبين الإيثار (٤) والترك لوجه الله ، والرغبة فيمن إليه حقيقة ملك كل شيء ، أو الميل إلى من إليه أنواع التغرير والمخادعات من غير تحقيق ، ولا قوة إلا بالله.
وعلى ذلك قوله : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) [البقرة : ٢٥٨] يبيّن ذلك احتجاجه على إبراهيم [ـ عليهالسلام ـ] بالذي ذكر ، وإغضاء إبراهيم عنه ، ولو كان الذي آتاه [الله](٥) الملك إبراهيم [ـ عليهالسلام ـ](٦) لم يكن ليجترئ على تلك المقالة بقوله : (أَنَا أُحْيِي
__________________
(١) في ب : فلم.
(٢) في ب : الذي.
(٣) العقوبة والعقاب والمعاقبة مختصة بالعذاب وهي أن تجزي الرجل بما فعل سوءا. انظر : لسان العرب (٤ / ٣٠٢٧) ، (عقب) ، عمدة الحفاظ (٣ / ١٢٢).
(٤) الإيثار لغة : للتفضل بمعنى التفضيل ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ) [الحشر : ٩] أي : يفضلون غيرهم على أنفسهم.
ينظر : عمدة الحفاظ للسمين الحلبي (١ / ٦٣).
(٥) سقط من ب.
(٦) سقط من ب.