وَأُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨] ، ولا قوة إلا بالله.
ثم على قول المعتزلة : إنّ الله ـ تعالى ـ إنما يشاء أن يؤتي الملك أولياءه ، وينزع عن أعدائه في الجملة ، فكيف ادعى لنفسه هذا السلطان والملك ، وكان الوجوب على ضدّ ذلك؟! أيظن المعتزلة أن الملحدة تطعن ما هو يوجب الشبهة في حجج التوحيد بأوضح مما أعطاهم المعتزلة بهذا القول ، أو يمكنهم من الطعن في نقض ما ادعت الموحدة من علو الرب وقدرته وجلاله بأبلغ مما لقنتهم المعتزلة بما لبست ثوب التوحيد ، واستترت بستره في الظاهر ، ثم أعطت للملحدة هذا ؛ ليظنوا أنهم بلغوا ما به نقض التوحيد ، ودفع حجج أهله ، جل الله عما وصفته الملحدة ، وتعالى ، فبه العصمة والنجاة.
ولما أعطتهم المعتزلة في الجملة سبقهم به إبليس ، حتى كانوا بمثله يحتجون ؛ فيظنون أنهم أحق بالنبوة منهم ، بما أعطوا من الملك والثروة في الدنيا ؛ فظنوا أنهم أجل عند الله ـ تعالى ـ وأرفع في المنزلة منهم ، من لم يكن ليؤثرهم بالرسالة عليهم ، لكن أولئك حققوا حقائق النعم لله ، ونيل ما نالوا من الملك والشرف به ، والمعتزلة رامت إزالة ذلك عن الله ؛ ليزيلوا عنهم ما لزمهم من الشكر له ، والطاعة لمن بعثه الله ، وأسأل الله تمام نعمه في الدين والدنيا.
وقوله : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) ، وقوله : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) ونحو ذلك : وجوه من الأدلة :
أحدها : أن يعلم أن الله [ـ عزوجل ـ](١) فيما يخلق ـ لا يخلق على معونة الأسباب ، وتوليد الطبائع ؛ لأن الأسباب تكون بموضع الإشكال ؛ وكذلك الطباع تولد الذي في جوهره ؛ نحو : الحار يولد الحرارة ، والبارد [يولد](٢) البرودة ؛ فبين [الله ـ تعالى ـ](٣) الإنشاء على أحوال التضاد ؛ [ليعلم](٤) أنه القادر على اجتماع ما شاء مما شاء بلا معونة من ذلك ولا توليد ، ولا قوة إلا بالله.
والوجه الثاني : أنه جرى تقدير ذلك على ما لا تفاوت له ، ولا اختلاف في اختلاف الأعوام ؛ ليعلم أنها مسوّاة على التدبير ، أحكمه على ذلك العزيز الحكيم ، الذي لا يعجزه شيء ، ولا يخفى عليه أمر ؛ وليعلم أن الذي قدر على ذلك واحد ؛ إذ لم يختلف ولم
__________________
(١) في ب : جل ثناؤه.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : جل ثناؤه.
(٤) سقط من ب.