يتناقض ، ولا قوة إلا بالله.
وأيضا ، أنه قد صيّر كل جوهر (١) بأحداث الآخر ؛ كأنه لم يكن قط ، ولا كان بقى له أثر ، ثم رده بالوصف الذي كان ؛ حتى لا يفوت منه شيء ، حتى لا سبيل إلى العلم بالتفصيل بينهما ؛ ليعلم أن قدرته على البعث ، بعد أن يفنى كل الأجزاء والآثار ، على ما كان ، ولا قوة إلا بالله.
وأيضا ، أنه إذ بنى الأمر على ما فيه من عظيم الحكمة ، وعجيب التدبير ـ لم يجز أن يكون فعله خارجا على العبث ، ثم في رفع المحنة ، وإبطال الرسالة في تعليم ما في ذلك من الحكمة ، وما يلزم بمكان ذلك التدبير من الشكر والمعرفة ، ثم من الترغيب فيما يملك من النعمة ، والترهيب عما عنده من النقمة ـ إبطال الحكمة ، وتقرير العالم مع ما ذكرت على العبث ، وذلك فاسد في العقول ، وموجود في الجواهر عظيم حكمة منشئها ، ثبت بذلك العبادة والرسالة والجزاء ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) إلى آخره : يحتمل وجهين :
يحتمل أن تؤتي ابتداء من غير أن كان آتاهم مرة ؛ وكذلك تنزع ـ أي تمنع ـ ابتداء من غير أن كان آتاهم ، ثم ينزع ؛ كقوله : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) [الرعد : ٢] رفع ابتداء من غير أن كانت موضوعة فرفعها ؛ وكقوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧] إخراج الابتداء ، لا أن كانوا فيها ثم أخرجهم ، فعلى ذلك هذا ، وعلى ذلك قوله : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) إيلاج ابتداء ، لا أن كان أحدهما في الآخر ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [القصص : ٧١] و (النَّهارَ سَرْمَداً) [القصص : ٧٢] أخبر أنه لم يجعل واحدا منهما مؤبّدا ؛ وكذلك قوله : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) إخراج ابتداء ؛ أن يخلق الحي من الميت
__________________
(١) لفظ الجوهر : يقال بالاشتراك اللفظى على معان أربعة :
الأول : الموجود الغنى عن المحل والواجب ـ تعالى ـ جوهر بهذا المعنى.
الثاني : الماهية التي إذا وجدت كانت لا في الموضوع ، وهذا المعنى يقتضى زيادة الوجود على الماهية ، وذهب ساجقلي زاده إلى أن وجوده ـ تعالى ـ عين ذاته ، فلا يطلق الجوهر عليه ، وذهب إلى أن وجوده زائد فيتناوله.
الثالث : القابل للصفة ، والحكماء اتفقوا على أنه ـ تعالى ـ ليس جوهرا بهذا المعنى بناء على استحالة قيام الصفات بذاته تعالى.
الرابع : الشيء الذي تتعاقب عليه الصفات والحكماء اتفقوا على امتناع تعاقب الصفات على ذات الواجب.
ينظر : حاشية نشر الطوالع ، للعلامة المرعشى ، الشهير بساجقلي زاده ص (٢٣٤ ، ٢٣٥).