وقال الشيخ [رحمهالله](١) أيضا في قوله : إن الله اصطفى من ذكر : فهو ـ والله أعلم ـ ذكر الله أولياءه وأهل صفوته ، ثم أعداءه وأهل الشقاء ؛ ترغيبا فيما استوجبوا الصفوة ؛ وتحذيرا عما به صاروا أهل الشقاء ؛ إذ هما أمران يتولّدان عن اختيار البشر ، ويقومان بأسبابهما أهل المحن ، لا بنفس الخلقة والجوهر ؛ فصار الذكر للمعنى الذي ذكرت ؛ وعلى [ذلك وجه ذكر](٢) عواقب الفريقين في الدنيا ، وما إليه يصير أمرهم في المعاد ؛ وعلى هذا ما ضرب الله من الأمثال بأنواع الجواهر الطيبة والخبيثة في العقول والطبائع ترغيبا وترهيبا ؛ وعلى هذا جميع أمور الدنيا ، أنها كلها عبر ومواعظ ، وإن كان فيها شهوات ولذات ، وآلام وأوجاع ؛ ليعلم أنها خلقت لا لها لكن لأمر عظيم ، كان ذلك هو المقصود من مدبر العالم [أن](٣) بالعواقب يذم أهل الاختبار ويحمدون ؛ فجعل الله عواقب الحكماء وأهل الإحسان حميدة لذيذة ؛ ترغيبا فيها ، وعواقب السفهاء وأهل الإساءة دميمة (٤) وجيفة (٥) ؛ تزهيدا فيها ؛ فخرج جميع فعل الله على الحكمة والإحسان ، وإن كانت مختلفة في اللذة والكراهة ؛ لأنه كذلك طريق الحكمة في الجزاء ، وفي ابتداء المحنة ، إلا أن المحنة تكون مختلفة ، والجزاء نوع لما هو كذلك في الحكمة والإحسان ؛ إذ كذلك سبق من أهله الاختيار والجزاء على ما اختاره من له وعليه حكمة وإحسان ؛ أعني : بالإحسان فيما يجوز الامتحان بلا جزاء بحق الشكر لما أولى وأبلى ، والحكمة فيما كان لازما ذلك في التدبير ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) :
قيل : بعضها من بعض في النسب من ذرية آدم ، ثم من ذرية نوح ، ثم من ذرية إبراهيم ، عليهمالسلام.
وقيل : بعضهم من ذرية بعض.
وقيل : بعضهم من جوهر بعض ؛ فلا تتكبروا ؛ كقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [النساء : ٢٥] منع الحرّ عن التعظيم على العبد.
واختلف في الذرية : قال بعضهم : «الذرية» : الأولاد والآباء ؛ كقوله : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) [الإسراء : ٣] ، وكانوا الأولاد والآباء ، والذريّة مأخوذة ، وهو الخلقة.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب : هذا ذكر وجه ذكر.
(٣) سقط من ب.
(٤) دميمة : قبيحة. ينظر : اللسان (٢ / ١٤٢٧) (دمم).
(٥) الجيفة : جثة الميت إذا أنتنت. ينظر : اللسان (١ / ٧٣٩) (جيف).