إني ما وضعت لا يصلح للوجه الذي جعلت.
والثاني : أن الإنسان إذا رأى شيئا عجيبا قد ينطق بذلك ، وإن كان يعلم أن غيره علم ما علم هو ، وأنه رأى مثل ما رأى هو.
أو يحتمل أن طلبت ردّها إلى منافعها إذا وضعت الأنثى ؛ لما رأت الأنثى لا تصلح لذلك.
ويحتمل قولها : (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) : التعريض لإجابة الله ـ تعالى ـ لها فيما قصدت من طاعته بالنذور (١) إن لم تكن صلحت لما قصدت ، وقد أجيبت في ذلك بقوله : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) نحو ما يتقبل لو كان ذكرا في الاختيار والإكرام ، وجعلها خير نساء العالمين.
وقوله : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى). اختلف فيه : قيل : إن ذلك قولها ، قالت : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) على إثر قولها : (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى)؛(٢) لما تحتاج الأنثى إلى فضل حفظ وتعاهد ، والقيام بأسبابها ما لا يحتاج الذكر.
وقيل : إن ذلك قول قاله ـ عزوجل ـ لما قالت : (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) ، جوابا لها ، (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) فيما قصدت ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ).
فيه دليل [على](٣) أن تسمية الأولاد إلى الأمهات في الإناث دون الآباء (٤) ، ثم التجأت إلى الله تعالى ، حيث أعاذتها به ـ وذرّيتها ـ من الشيطان الرجيم.
وفيه دلالة أن الذكور يكونون من ذرّية الإناث ؛ لأنه لم يكن منها إلا عيسى ، عليهالسلام.
وقوله : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ).
يحتمل قوله : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) : أن أعاذها وذرّيتها من الشيطان الرجيم على ما سألت.
__________________
(١) جمع نذر. وهو في اللغة : مشتق من الإنذار ، وهو : الإبلاغ والإعلام بالأمر المخوف ، كأن الناذر يعلم نفسه ، ويوجب عليها قربة يتخوف الإثم من تركها. وهو في الاصطلاح : إيجاب عبادة في الذمة بشرط وبغير شرط. وقيل : هو : إيجاب عين الفعل المباح على نفسه تعظيما لله تعالى.
ينظر : الصحاح (٢ / ٨٢٦) (نذر) ، والقاموس المحيط ص (٤٣٤) (نذر) ، وأنيس الفقهاء للشيخ قاسم القونوي (٣٠١) ، والنظم المستعذب لابن بطال (١ / ٢٢١).
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٣٣٥) رقم (٦٨٨٢) عن السدي.
(٣) سقط من ب.
(٤) قال السيوطي في : «الإكليل» : في الآية دليل على جواز تسمية الأطفال يوم الولادة وأنه لا يتعين يوم السابع ؛ لأنها إنما قالت هذا بأثر الوضع ، كما فيه مشروعية التسمية للأم وأنها لا تختص بالأب.
ينظر : محاسن التأويل للقاسمي (٤ / ٩١).