أي : مجيب الدعاء.
وقوله : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ).
دل هذا أن المحراب هو موضع الصلاة (١).
(أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى).
فيه دلالة لقول أصحابنا ـ رحمهمالله ـ أن الرجل إذا حلف ألا يبشر فلانا فأرسل إليه غيره يبشره ـ حنث في يمينه (٢) ؛ لأنه هو البشير ، وإن كان المؤدي غيره ؛ ألا ترى أن البشارة ـ هاهنا ـ أضيفت إلى الله ـ تعالى ـ فكان هو البشير ؛ فكذلك هذا.
وقوله : (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ).
(بِكَلِمَةٍ) قيل : عيسى ـ عليهالسلام ـ كان بكلمة من الله (٣) ، فيحيى صدّقه برسالته.
وقيل : أول من صدق عيسى ـ يحيى بن زكريا (٤) ، ولهذا وقع على النصارى شبهه ؛ حيث قالوا : عيسى ابن الله ، بقوله : (بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ ، وَرُوحٌ مِنْهُ) [النساء : ١٧١] ظنوا أنه في معنى «فيه» ؛ لكن ذلك إنما يذكر إكراما لهم وإجلالا ، ولا يوجب ذلك ما قالوا ؛ ألا ترى أن الله ـ عزوجل ـ قال : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] ونحو ذلك ، لم يكن فيه أن النعمة منه في شيء ؛ فعلى ذلك الأول (٥).
وقوله : (وَسَيِّداً) :
قيل : سيّدا في العلم والعبادة (٦).
وقيل : السيّد : الحكيم هاهنا (٧).
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٧) وعزاه إلى ابن المنذر عن السدي.
(٢) ينظر : الفتاوى الهندية للجنة من العلماء برئاسة نظام الدين البلخي (٢ / ١٠٣) ، وفتح القدير للكمال ابن الهمام (٥ / ١٤٤) ، البحر الرائق لابن نجيم (٤ / ٣٦٢) ، رد المحتار (٣ / ٧٩٢).
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٣٧٣) (٦٩٦١) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢٣٥) (٤٥٩) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٨) وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر. وأخرجه الطبري (٦٩٥١) عن مجاهد ، وبرقم (٦٩٦٥) عن الحسن ، وبرقم (٦٩٥٦) عن قتادة. وينظر : «الدر المنثور» (٢ / ٣٨).
(٤) أخرجه الطبري (٦٩٦٠) عن الضحاك ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٨) وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(٥) وقال أبو عبيد : معنى (بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) : بكتاب من الله.
والعرب تقول : أنشدني كلمة : أي قصيدة.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ٢٩) ، ثم قال القرطبي معقبا : وقيل غير هذا من الأقوال ، والقول الأول أشهر ، وعليه من العلماء الأكثر.
(٦) أخرجه الطبري (٦ / ٣٧٤) (٦٩٦٦ ، ٦٩٦٧) عن قتادة.
(٧) الذي روي عن ابن عباس وغيره : حليما تقيا. أخرجه الطبري (٦ / ٣٧٦) (٦٩٧٨) ، وابن أبي حاتم ـ