من كل شيء ، والله أعلم.
وقوله : (وَحَصُوراً) :
قيل : الحصور : الذي لا ماء له ولا شهوة (١).
وقيل : هو المأخوذ عن النساء ، والممنوع منهن (٢).
وقيل : هو الذي لا يشتهي النساء (٣).
وكله واحد (٤) ، والله أعلم.
(وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) :
ذكر أنه من الصالحين ، وإن كان كل نبي لا يكون إلّا صالحا ؛ على ما سمي كل نبي صدّيقا ، وإن كان لا يكون إلا صدّيقا ، ووجه ذكره صالحا : أنه كان يتحقق فيه ذلك ؛ لأن غيره من الخلق ، وإن كان يستحق ذلك الاسم ـ إنما يستحق بجهة ، والأنبياء ـ عليهمالسلام ـ يتحقق ذلك فيهم من الوجوه كلها.
والثاني : دعاء أن يلحق بالصالحين في الآخرة ، والله أعلم.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : ما ذكر في كل نبي أنه كان من الصالحين ـ يخرج على أوجه : على جميع الصلاح ، وعلى البشارة لهم في الآخرة أنهم يلحقون بأهل الصلاح ، وعلى أنهم منهم ؛ لو لا النبوة ؛ ليعلم أن النبوة إنما تختار في الدين لمن تم لهم وصف الصلاح ، وعلى الوصف به أنهم كذلك على ألسن الناس ، وأن الذين ردّوا عليهم ـ ردّوا
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٣٧٩) (٦٩٩٧) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢٤٦) (٤٩٣) عن ابن عباس بلفظ : الحصور الذي لا ينزل الماء. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩) وزاد نسبته إلى أحمد في «الزهد» وابن المنذر. وأخرجه الطبري (٦٩٩١ ، ٦٩٩٢) وابن أبي حاتم (٤٩٤) عن الضحاك.
(٢) وهو قول ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير وأبي صالح وأحد قولي الضحاك وعكرمة ومجاهد وعطية وجابر بن زيد وآثارهم عند الطبري (٦ / ٣٧٧ ـ ٣٨٠) (٦٩٨٠ ـ ٧٠٠٠) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢٤٣ ـ ٢٤٥) (٤٨٤ ـ ٤٩٢) ، وينظر : «الدر المنثور» (٢ / ٣٩).
(٣) هو بالمعنى السابق.
(٤) وقيل : الحصور : العنين الذي لا ذكر له يتأتى له به النكاح ولا ينزل. وقيل معناه : الحابس نفسه عن معاصي الله ، عزوجل. ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ١٥) ، وقد ساق قبل هذا تفسيرين للحصور :
الأول : لا يأتي النساء ؛ كأنه ممنوع مما يكون في الرجال. والثاني : هو الذي يكف عن النساء ولا يقربهن مع القدرة.
ثم قال : وهذا أصح الأقوال لوجهين :
أحدهما : أنه مدح وثناء عليه ، والثناء إنما يكون عن الفعل المكتسب دون الجبلة في الغالب.
الثاني : أن «فعولا» في اللغة من صيغ الفاعلين ... ؛ فالمعنى أنه يحصر نفسه عن الشهوات ، ولعل هذا كان شرعه ، فأما شرعنا فالنكاح كما تقدم.