(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) الآية.
يحتمل هذا الكلام وجوها :
أحدها : على الإنكار ، أي : لا يكون ، لكن هاهنا لا يحتمل ؛ لأنه كان أعلم بالله وقدرته أن ينطق به ، أو يخطر بباله.
والثاني : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) أي : كيف وجهه وسببه ، وكذلك قوله : (أَنَّى لَكِ هذا) ، وقوله : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) [البقرة : ٢٥٩] ، (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) [البقرة : ٢٤٧] أي : كيف وجهه وما سببه.
والثالث : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) في الحال التي أنا عليها ، أو أردّ إلى الشباب ؛ فيكون لي الولد (١).
هذان الوجهان يحتملان ، وأمّا الأول : فإنه لا يحتمل.
وقوله : (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ)
وذكر في سورة مريم : (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) [مريم : ٨] : ذكر على التقديم والتأخير.
[وكذلك قوله : (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) أو (ثَلاثَ لَيالٍ) [مريم : ١٠] والقصّة واحدة ؛ ذكر على التقديم والتأخير](٢) ، وعلى اختلاف الألفاظ واللّسان ؛ دل أنه ليس على الخلق حفظ اللفظ واللسان (٣) ؛ وإنما عليهم حفظ المعاني المدرجة المودعة فيها ، وبالله التوفيق ، ويعلم أنه لم يكن على كلا القولين ، ولم يكن بهذا اللّسان.
وقوله : (قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) ، وقوله : (كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) [مريم : ٩] وإن اختلف في اللّسان.
وقوله : (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) :
طلب من ربّه آية ؛ لما لعله لم يعرف أن تلك البشارة بشارة الملائكة ، أو وساوس ؛ فطلب آية ليعرف أن تلك البشارة بشارة الملائكة من الله ـ عزوجل ـ لا بشارة إبليس ؛ لأنه لا يقدر أن يفتعل في الآية ؛ لأن فيها تغير الخلقة والجوهر ، وهم لا يقدرون [على](٤)
__________________
(١) وقيل : إنه سأل هل يكون له الولد من امرأته العاقر أو من غيرها؟
وقيل : المعنى : بأي منزلة استوجب هذا وأنا وامرأتي على هذه الحال؟ على وجه التواضع.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ٥١).
(٢) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٣) في ب : اللسان.
(٤) سقط من ب.