(وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) :
هو ما ذكرنا من صفوتها ؛ إذ جعلها لعبادة نفسه خالصا ، أو ما قد ولدت من ولد من غير أب ، على خلاف سائر البشر.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : «خطّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أربعة خطوط ، ثمّ قال : هل تدرون ما هذه؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «أفضل نساء أهل الجنّة : خديجة ، وفاطمة ، ومريم ، وآسية امرأة فرعون» (١). وكذلك روى أنس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد صلىاللهعليهوسلم» (٢).
وقوله : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) :
يحتمل وجهين :
الأمر بالقنوت : القيام ، ثم الأمر بالسجود ، أي : الصّلاة ، ثم الأمر بالركوع مع الراكعين ؛ وهو الصلاة بجماعة ؛ ففيه الأمر بالصلاة بالجماعة ، على ما هو علينا ؛ لأنه قال : (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) وعلى ذلك روي في الخبر : أنه سئل عن أفضل الصّلاة؟ فقال : «طول القنوت» (٣).
ويحتمل أنه الأمر بالركوع ، ثم بالسجود ؛ فيدل أن السجود ـ وإن كان مقدما ذكره على الركوع ـ فإنه ليس في تقديم ذكر شيء على شيء ، ولا تأخير شيء عن شيء في الذكر دلالة وجوب الحكم كذلك.
وقيل : القنوت : هو الخضوع والطاعة (٤) ؛ كقوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) [البقرة : ٢٣٨]
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك (٣ / ١٦٠) من حديث ابن عباس وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه أحمد (٣ / ١٣٥) ، والترمذي (٣٨٧٨) ، وعبد الرزاق (٢٠٩١٩) ، وأبو يعلى (٣٠٣٩) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (١ / ٥٠) ، وابن حبان (٦٩٥١ ، ٧٠٠٣) ، والحاكم (٣ / ١٥٧) ، وأبو نعيم في الحلية (٢ / ٣٤٤) ، والبغوي في شرح السنة (٧ / ٢٣٠) من حديث أنس. وقال الترمذي : هذا حديث صحيح.
(٣) أخرجه مسلم (١ / ٥٢٠) كتاب صلاة المسافرين : باب أفضل الصلاة طول القنوت حديث (١٦٤ ، ١٦٥ ـ ٧٥٦) والترمذي (٣٨٧) ، وابن ماجه (١٤٢١) ، وأحمد (٣ / ٣٩١) ، والحميدي (١٢٧٦) ، والبيهقي (٣ / ٨) من حديث جابر. وقال الترمذي : حسن صحيح.
(٤) ورد هذا مرفوعا من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة». أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٢ / ٢٦١) (٥٣١) من طريق دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري به. وإسناده ضعيف ؛ لضعف هذه الرواية. وقال ابن كثير (١ / ١٦١) ورفع هذا الحديث منكر وقد يكون من كلام الصحابي أو من دونه.