أي : خاضعين مطيعين (١).
فإن قيل : كيف أمرت بالركوع مع الراكعين؟! قيل : كانوا ـ والله أعلم ـ ذوى قرابة منها ورحم ؛ ألا ترى أنهم كيف اختصموا في ضمّها وإمساكها ، حتى أراد كل واحد منهم ضمها إلى نفسه ، وأنه الأحق بذلك؟! دلّ أن بينهم وبينها رحما وقرابة.
وقيل في قوله : (اقْنُتِي) : أي : أطيلي الركوع في الصّلاة (٢) والله أعلم.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : يحتمل (مَعَ الرَّاكِعِينَ) : أي : ممن يركع ويخضع له بالعبادة ، لا على الاجتماع ـ والله أعلم ـ كيف كان الأمر في ذلك؟.
وقوله : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) : أي : من أخبار الغيب لم تشهده أنت يا محمّد ولم تحضر ، بل نحن أخبرناك وذكرناك عن ذلك.
ثم في ذلك وجوه الدلالة :
أحدها : أراد أن يخبره عن صفوة هؤلاء وصنيعهم ؛ ليكون على علم من ذلك.
والثاني : دلالة إثبات رسالته ؛ لأنّه أخبر على ما كان من غير أن اختلف إلى أحد ، أو أعلمه أحد من البشر على علم منهم ذلك ؛ دل أنه إنما علم ذلك بالله عزوجل.
والثالث : أن يتأمل وجه الصفوة لهم ؛ أنهم بما نالوه ؛ فيجتهدوا في ذلك ، والله أعلم. وفي ذلك تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى أن ظهر ذلك بإلقاء الأقلام.
وقوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية.
قيل : إنهم ألقوا أقلامهم على جرية الماء ، فذهبت الأقلام كلها مع الجرية ؛ إلا قلم زكريا ؛ فإنه وقف على وجه الماء (٣).
وقيل : طرحوا أقلامهم في الماء ، وكان من شرطهم أن من صعد قلمه عاليا (٤) مع الجرية ، فهو أحق بها ، ومن سفل قلمه مع الجرية فهو المقروع ، فصعد قلم زكريا ، وتسفلت أقلامهم ؛ فعند ذلك ضمّها زكريا إلى نفسه (٥).
__________________
(١) تقدم في سورة البقرة الآية (٢٣٨).
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٤٠٢) (٧٠٣٩ ، ٧٠٤٠) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٣) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٢٦٦) (٥٤٤) عن عكرمة ، وبرقم (٥٤٨).
وينظر : «الدر المنثور» (٢ / ٤٣) ، وأخرجه أيضا الطبري (٦٩٠٢ ، ٦٩٠٣) عنهما ، وينظر : الوسيط للواحدي (١ / ٤٣٦ ـ ٤٣٧).
(٤) في ب : مغالبا به.
(٥) ينظر : المصادر السابق ذكرها.