«وإبراء الأكمه والأبرص» هو من آيات النبوة ؛ لخروجها عن الأمر المعتاد فيما بينهم. فإن قيل : إن إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص من آيات النبوة ؛ [لعجزهم عن إتيان مثله ، وخروجه عن المعتاد فيما بينهم ، ولكن أنباء ما يأكلون وما يدّخرون لم كان من آيات النبوة](١) ، ويجوز أن يكون ذلك من منجّم (٢)؟
قيل : له جوابان ـ إن كان يكون مثل ذلك بالنجوم ـ :
أحدهما : أنه مضموم إلى الآيات ؛ فصار آية بما ضم إليها.
والثاني : أن هذا ـ وإن كان يعلم بالنجوم ـ فعيسى ـ عليهالسلام (٣) ـ لما علم قومه أنه لم يختلف إلى أحد في تعلم علم النجوم ، ثم عرف ذلك وأنبأهم بذلك ـ دل أنه إنما علم ذلك بالله ؛ فكان آية ، وبالله التوفيق (٤).
مع ما كان في قومه أطباء وحكماء وبصراء ـ لم يدّع أحد شيئا من هذه الآيات التي جاء بها (٥) عيسى ـ عليهالسلام ـ دل ترك اشتغالهم في ذلك على إقرارهم بأنها آية سماوية ، لكنهم تعاندوا وكابروا فلم يؤمنوا به.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : الخلق : اسم المجاز والحقيقة ، والتخليق : فعل حقيقة خاصّة.
وقوله (بِإِذْنِ اللهِ).
قيل : بأمر الله.
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٢) النجم : بفتح النون في الأصل : اسم لكل واحد من كواكب السماء ، وهو بالثريا أخص ، ثم جعلت العرب مطالع منازل القمر ومساقطها ، مواقيت لحلول ديونها ، ثم غلب حتى صار عبارة عن الوقت. فمعنى منجم : مؤقت.
وجاء في الوسيط : المنجّم : من ينظر في النجوم يحسب مواقيتها وسيرها ويستطلع من ذلك أحوال الكون. ينظر : المطلع على أبواب المقنع (١ / ٣١٦) ، الوسيط (٢ / ٩٠٥).
(٣) في ب : صلوات الله عليه.
(٤) قال الطبري : قيل : إن المتنجم والمتكهن معلوم منهما عند من يخبرانه بذلك ـ أنهما ينبئان عن استخراج له ببعض الأسباب المؤدية إلى علمه ، ولم يكن ذلك كذلك من عيسى ـ صلوات الله عليه ـ ومن سائر أنبياء الله ورسله ؛ وإنما كان عيسى يخبر به عن غير استخراج ولا طلب لمعرفته باحتيال ، ولكن ابتداء بإعلام الله إياه ، من غير أصل تقدم ذلك احتذاه ، أو بنى عليه أو فزع إليه كما يفزع المتنجم إلى حسابه والمتكهن إلى رئيّه ، فذلك هو الفصل بين علم الأنبياء بالغيوب وإخبارهم عنها ، وبين علم سائر المتكذبة على الله ، أو المدعية علم ذلك.
ينظر : جامع البيان (٦ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠).
إنما وحّد ، وهي آيات ؛ لأنها من جنس واحد في الدلالة على رسالته. قاله القرطبي. ينظر : تفسيره (٤ / ٦٢).
(٥) في ب : به.