ظَهِيراً) [الإسراء : ٨٨] ، فلو كان بهم طاقة أو قدرة أن يأتوا بمثله ، لجهدوا كل جهد ، وتكلفوا كل تكلف ؛ حتى يطفئوا هذا النور ؛ ليتخلصوا عن قتلهم ، وسبي ذراريهم ، واستحياء نسائهم ، فلمّا لم يفعلوا ذلك ـ دلّ أنه كان آية معجزة ، عجزوا جميعا عن إتيان مثله ، فأيّ (١) آية تكون أعظم من هذا؟! وبالله المعونة والنجاة.
وقوله : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) :
أي : بعلامة أني رسول منه إليكم ، ثم فسّر الآية ، فقال : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ)
قوله : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ)
هو على المجاز ، لا على التخليق [والتكوين](٢) ؛ لأن الخلق ليس هو من فعل المخلوق ، وإنما هو من فعل الله ـ عزوجل ـ لأن التخليق : هو الإخراج من العدم إلى الوجود ، وذلك فعل الله ـ تعالى ـ لا يقدر المخلوق على ذلك ؛ فهو على المجاز ؛ ألا ترى أنه قال في آخره : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) ، وليس إلى الخلق تحليل شيء أو تحريمه ، إنما ذلك إلى الله ـ عزوجل ـ فمعناه : أنى أظهر لكم حل بعض ما حرم عليكم ؛ فعلى ذلك قوله : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) أي : أظهر لكم بيدي ما خلق الله من الطين طائرا ؛ فيكون آية لرسالتي إليكم ؛ وكذلك الآيات ليس مما ينشئ (٣) الأنبياء ، ولكن تظهر على أيديهم.
وإنما لم يجز إضافة التخليق إلى الخلق ؛ لما ذكرنا : أنه إخراج الشيء من العدم إلى الوجود ، وذلك ليس إلى الخلق.
والثاني : أن التخليق هو إخراج الفعل على التقدير ، وفعل العبد إنما يخرج على تقدير الله ، لا يخرج على تقديره ؛ لذلك لم يجز إضافة ذلك إلى الخلق ، إلا على المجاز. والله أعلم.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : الخلق : اسم المجاز والحقيقة ، والتخليق : فعل حقيقة خاصّة ، وآيات الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ هي التي تخرج على خلاف الأمر المعتاد فيما بينهم ، يجريها الله ـ سبحانه وتعالى ـ على أيديهم ؛ ليعلموا أن ذلك لم يكن بهم ، إنما كان ذلك بالمرسل الذي أرسلهم ؛ ليدل على صدقهم ، ولا قوة إلا بالله.
__________________
(١) في ب : فأية.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : ينشئها.