وقيل : أحسّ : رأي ؛ وهو كقوله : (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) [مريم : ٩٨].
وقيل : أحسّ ، أي : وجد ، وهو قول الكيساني ، وقيل : عرف ؛ وهو كله واحد (١).
ثم قوله : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) :
يحتمل ـ والله أعلم ـ أن قومه لما سألوه أن يسأل ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء ؛ تكون لهم آية لرسالته وصدقه ؛ ففعل الله ـ عزوجل ـ ذلك ، وأنزل عليهم المائدة ، ثم أخبر أن من كفر منهم بعد إنزال المائدة يعذبه عذابا لا يعذبه أحدا ، فكفروا به ؛ فعلم أن العذاب ينزل عليهم ؛ فأحبّ أن يخرج بمن آمن به ؛ لئلا يأخذهم العذاب ، فقال : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) ؛ يؤيد ذلك قوله : (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ ..). الآية [الصف : ١٤].
ويحتمل أن يكونوا أظهروا الإسلام له (٢) ، وكانوا في الحقيقة على خلاف ذلك ، فلما علم ذلك منهم ، وقد همّوا على قتله ، قال عند ذلك : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) ؛ أحبّ أن يكون معه أنصار مع الله ينصرونه ؛ فيظهر المؤمنون من غيرهم ، فنصرهم الله على أعدائهم ؛ ليظهر المؤمنون من غيرهم ، وهو قوله : (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) [الصف : ١٤].
ومن الناس من يقول : إنه لم يكن في سنّة عيسى ـ عليهالسلام ـ الأمر بالقتال ، وفي الآية إشارة إلى ذلك بقوله : (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) [الصف : ١٤] أخبر أنهم أصبحوا ظاهرين على عدوهم ؛ فلا يخلو إمّا أن يكون قتالا أو غلبة بحجة أو بشيء ما (٣) يقهرهم ، والله أعلم.
وقوله : (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) :
اختلف في الحواريين :
قال بعضهم : هم القصّارون الغسّالون للثياب (٤) ، ومبيّضوها (٥).
__________________
(١) تنظر هذه الأقوال في : معانى القرآن للزجاج (١ / ٤٢١) ، وللفراء (١ / ٢١٦) ، الوسيط (١ / ٤٤٠) ، وفتح القدير (١ / ٣٤٤) ، وتفسير الرازي (٨ / ٥٤) ، وتفسير القرطبي (٤ / ٦٢).
(٢) في ب : له كقوله.
(٣) في ب : مما.
(٤) ينظر : العين للخليل (٥ / ٥٩) ، والمحكم لابن سيده (٦ / ٢٣) ، ولسان العرب لابن منظور (٢ / حور).
(٥) أخرجه الطبري (٦ / ٤٥٠) (٧١٢٥) عن أبي أرطأة ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٦٢) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد. وأخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٢٩١) (٦٢٦) عن الضحاك ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٦٣) وعزاه إلى عبد بن حميد.