فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ..). هو جزاء الاعتداء ؛ فيجوز ؛ فعلى ذلك المكر والخداع والاستهزاء : لا يجوز أن يسمّى به ، فيقال : يا ماكر ، ويا خادع ، ويا مستهزئ ؛ لأنها حروف مذمومة عند الناس ؛ فيشتم بعضهم بعضا بذلك ؛ لذلك لا يجوز أن يسمّى الله ـ تعالى ـ به إلا في موضع الجزاء (١). وبالله العصمة.
وقوله : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) :
أي : خير الجازين أهل الجور بالعدل ، وأهل الخير بالفضل.
وقيل : (وَمَكَرُوا) ؛ حيث كذبوه وهمّوا بقتله (٢) ، (وَمَكَرَ اللهُ) ؛ حيث رفع الله عيسى ـ عليهالسلام ـ وألقى شبهه على رجل منهم حتى قتلوه ؛ فذلك خير لعيسى ـ عليهالسلام ـ من مكرهم (٣).
وقيل : (وَمَكَرُوا) ، أي : قالوا ، (وَمَكَرَ اللهُ) : قال الله. وقولهم الشرك ، وقال لهم : قولوا التوحيد.
(وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) أي : خير القائلين.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) بما بالحق يمكر ، ويأخذ من استحق الأخذ ، وهم لا ، والله أعلم.
والمكر : هو الأخذ بالغفلة ، والله يأخذهم بالحق من حيث لا يعلمون ؛ فسمي مكرا لذلك ؛ كما يقال : امتحنه الله وهو الاستظهار ، ولكن لا يراد به هذا في [حق] الله.
وقوله : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) :
اختلف فيه : قيل : هو على التقديم والتأخير : ورافعك إلىّ ، ثم متوفيك بعد نزولك (٤) من السماء (٥) ، ولكن هو التقديم والتأخير ، ولم يكن في الذكر فهو
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي (٨ / ٥٩).
(٢) ينظر : تفسير الرازي (٨ / ٥٨ ـ ٥٩) واللباب (٥ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥).
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) وهو قول قتادة ، أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٢٩٦) (٦٤٣) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٦٤) وعزاه إليه ، وهو أيضا قول أبي البقاء ، وينظر : اللباب في علوم الكتاب (٥ / ٢٦٥).
(٥) ومسألة نزول المسيح ـ عليهالسلام ـ آخر الزمان وردت بها الأحاديث النبوية الصحيحة المتواترة ، ومنها :
ما رواه الإمام أحمد ومسلم عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يخرج الدجال في أمتى فيمكث أربعين يوما ، فيبعث الله ـ تعالى ـ عيسى ابن مريم ـ عليهالسلام ـ كأنه عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ، ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ـ تعالى ـ ريحا باردة من قبل الشام ، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى ـ