سواء (١) ؛ لأنا قد ذكرنا أن ليس في تقديم الذكر ، ولا في تأخيره ما يوجب الحكم كذلك ؛ لأنه كم من مقدّم في الذكر هو مؤخّر في الحكم ، وكم من مؤخر في الذكر هو مقدم في الحكم ، فإذا كان كذلك : لم يكن في تقديم ذكر الشيء ، ولا في تأخيره ـ ما يدل على إيجاب الحكم كذلك (٢) ؛ كقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) [الزمر : ٤٢] : فإنما هو قبض الأرواح ؛ فيحتمل الأول كذلك ، ويحتمل توفي الجسم ، أي : متوفيك من الدّنيا ، أي : قابضك ، وليس بوفاة موت (٣).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) ، أي : مميتك (٤) وهو ما ذكرنا ؛
__________________
ـ تقبضه ، فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا ، فيتمثل لهم الشيطان ، فيقول : ألا تستجيبون؟ فيقولون : فما ذا تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان فيعبدونها ، وهم في ذلك دار رزقهم ، حسن عيشهم ، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى لينا ورفع لينا ، فأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس ، ثم يرسل الله مطرا كأنه الطل فتنبت منه أجساد الناس ، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ، ثم يقال : يا أيها الناس هلم إلى ربكم وقفوهم إنهم مسئولون ، ثم يقال : أخرجوا بعث النار ، فيقال : من كم؟ فيقال : «من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فذاك : (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) [المزمل : ١٧] (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم : ٤٢].
أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٥٨ ، ٢٢٥٩) : كتاب الفتن وأشراط الساعة : باب في خروج الدجال ... ونزول عيسى وقتله إياه ، رقم (١١٦ ـ ٢٩٤٠).
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى ابن مريم حكما مقسطا ، وإماما عادلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال ، حتى لا يقبله أحد».
أخرجه البخاري (٥ / ٤١٥) : كتاب المظالم : باب كسر الصليب وقتل الخنزير ، رقم (٢٤٧٦) ، ومسلم (١ / ١٣٥) : كتاب الإيمان : باب نزول عيسى ابن مريم رقم (٢٤٢ ـ ١٥٥).
(١) مثّل له القرطبي بقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) [طه : ١٢٩] والتقدير : ولو لا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما.
وبقول الشاعر :
ألا يا نخلة من ذات عرق |
|
عليك ورحمة الله السلام |
أي : عليك السلام ورحمة الله.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ٦٤).
(٢) سبق معنى هذا الكلام في تفسير المصنف للآية (٤٣) : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران : ٤٣].
(٣) وقال الربيع بن أنس : وهي وفاة نوم ، قال الله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) [الأنعام : ٦٠] أي : ينيمكم ؛ لأن النوم أخو الموت. ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ٦٤ ـ ٦٥). ثم قال الدارقطني : والصحيح أن الله ـ تعالى ـ رفعه إلى السماء من غير وفاة ولا نوم ، كما قال الحسن وابن زيد ، وهو اختيار الطبري ، وهو الصحيح عن ابن عباس ، وقاله الضحاك.
(٤) علقه البخاري (٦ / ٦٨) كتاب التفسير : (باب ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ) [المائدة : ١٠٣].
وأخرجه الطبري (٧١٤١) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢٩٥) (٦٣٧) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» ـ