ليعلم أنه ليس بمعبود.
وقوله : (وَرافِعُكَ إِلَيَّ) :
هو على تعظيم عيسى ـ عليهالسلام ـ ليس على ما قالت المشبهة (١) بإثباتها المكان له ؛ لأنه لو كان في قوله : (وَرافِعُكَ إِلَيَ) يوجب ذلك ، يجب أن يكون أهل الشام أقرب إليه ؛ لأن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ قال :
(إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الصافات : ٩٩] ، والكفرة إليه قريب منه ؛ كقوله : (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) ؛ دل هذا أن ما قالوا خيال فاسد ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا ـ ولكن على التعظيم والتبجيل (٢) ، أعني : المضاف إليه.
والأصل في هذا : أن الخاص إذا أضيف إلى الله فإنما يراد به تعظيم ذلك الخاص ؛ نحو ما قال : «بيت الله» ؛ على تعظيم البيت ، (ناقَةَ اللهِ) [الشمس : ١٣] ؛ فهو على تعظيم الناقة ، ونحوه مما يكثر [وقوعه](٣).
وإذا أضيف الجماعة إليه ، فهو على إرادة تعظيم الربّ ـ جل ثناؤه ـ نحو : (رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢] ، (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة : ١٠٧] ونحوه ؛ كله على إرادة تعظيم الربّ ، جل ثناؤه.
وقوله : (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) :
قيل فيه بوجوه :
قيل : مطهرك من أذى الكفرة ، من بين أظهر المخالفين لك (٤)
وقيل : ومطهرك من الكفر والفواحش ، ويحتمل : مطهرك ممّا قالوا فيك.
وقوله : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا)
يحتمل : يجعله فوق الذين كفروا بالقهر والغلبة والقتل ، ويحتمل : بالحجّة ، ويحتمل : في المنزلة والدرجة في الآخرة.
__________________
ـ (٢ / ٦٤) وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(١) المشبهة : هم الذين شبهوا الله تعالى بالمخلوقات ، وهم فرقة واحدة قائلة بالتشبيه وإن اختلفوا في طرق التشبيه ، فمنهم مشبهة غلاة الشيعة. ومنهم مشبهة الحشوية ، ومنهم مشبهة الكرامية. ينظر : نشر الطوالع ص (٣٩١).
(٢) في ب : التبجيل والتعظيم.
(٣) سقط من ب.
(٤) أخرجه الطبري (٦ / ٤٦١) (٧١٤٨) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢٩٨) (٦٤٧) عن الحسن ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٦٥) وعزاه إليهما.