ويحتمل قوله : (وَمُطَهِّرُكَ) بقتل الكفرة من وجه الأرض ؛ على ما ذكر في بعض القصّة : أنه ينزل من السماء ، فلا يبقى على وجه الأرض كافر إلا وهو يقتله مع الذين اتبعوه ؛ فذلك تطهيره وجعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا (١).
وقوله : (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ)
ذكر هذا ـ والله أعلم ـ وإن كان المرجع للكل إليه في [كل](٢) حال ؛ لأنهم يقرّون ويعترفون في ذلك اليوم أن المرجع إليه ، وكانوا ينكرون ذلك في الدّنيا ؛ وهو كقوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الحج : ٥٦] الملك كان في ذلك اليوم وفي غير ذلك اليوم ، ولكن معناه : لا ينازعه أحد يومئذ في ملكه ، ويقرون له بالملك ، وفي الدّنيا أنكروا ملكه ؛ وهو كقوله : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) [إبراهيم : ٢١] كلهم بارزون لله في كل وقت ؛ لكنهم أنكروا بروزهم في الدنيا له ؛ فيقرون يومئذ بالبروز له ؛ فكذلك الأول ، والله أعلم.
وقوله : (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
يحتمل : أحكم بينكم من المحقّ منكم ، ومن المبطل.
ويحتمل : أحكم بينكم : أي : أجزيكم على قدر أعمالكم.
ويحتمل : أحكم بينكم أي ، أجزى كلا بعمله على ما يستوجبون.
وقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ. وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الآية :
وقوله : (فِي الدُّنْيا) ، قيل : القتل ، والجزية (٣) ، وفي الآخرة : العذاب (٤).
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) فقوله : (مُتَوَفِّيكَ) :
__________________
(١) وقيل : إن الوقف التام عند قوله (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال النحاس وهو قول حسن.
و (جاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) يا محمد (فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : بالحجة وإقامة البرهان. وقيل : بالعز والغلبة. وقال الضحاك ومحمد بن أبان : المراد : الحواريون.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ٦٦).
(٢) سقط من ب.
(٣) الجزية تطلق على العقد ، وعلى المال الملتزم به ، وهي مأخوذة من المجازاة ، لكفنا عنهم ، من الجزاء بمعنى القضاء ، قال ـ تعالى ـ : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨].
واصطلح على أن الجزية : عقد يتضمن إقرار بعض الكفار على ما يدينون به على الدوام ببذل الجزية والتزام أحكام الإسلام العامة.
ينظر : الصحاح (٦ / ٢٣٠٣) جزى ، والقاموس المحيط (٤ / ٣١٤) جزى ، والمصباح المنير (١ / ١٥٨) جزى ، وطلبة الطلبة (٨٧) وشرح الحدود لابن عرفة (١٤٥).
(٤) ينظر : الوسيط للواحدي (١ / ٤٤٢) ، تفسير البغوي (١ / ٣٠٩) ، واللباب في علوم الكتاب (٥ / ٢٧٣) ، وتفسير القرطبي (٤ / ٦٦).