دينهم (١).
فلا ندرى كيف كانت القصة؟ ولكن فيه دلالة رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لما ذكرنا أنه كان يخبرهم بما يضمرون في أنفسهم ويسرون ، فذلك من اطلاع الله إياه.
ويحتمل قوله : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ) ، أي : أظهروا لهم الإسلام والموافقة ، ولا تؤمنوا به [في](٢) الحقيقة (٣) ؛ يدل على ذلك قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) في الحقيقة ، أي : آمنوا به ظاهرا ، وأمّا في الحقيقة فلا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم.
وقال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) الآية ـ : يحتمل وجهين :
أحدهما : حقيقة النهار ، ثم يتوجه وجهين :
أحدهما : أمر القبلة خاصّة ، فيريدون بذلك المحاجة بالموافقة في أحد الوقتين عليهم فيما خالفوا في ذلك ، وإن علموا أن ذلك حق ؛ ليشبهوا على الضعفة أنه لا تزال تنتقل من دين إلى دين ، ومذهب إلى مذهب ، وأن من لزم الدين الأول والمذهب الأول أحق للموافقة فيه مرة ، ولما لا يؤمن البقاء على الثاني ، وهو كقوله : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة : ١٤٢] ؛ وعلى ذلك أنكروا جواز نسخ الشرائع سفها منهم (٤) ؛ إذ ليس معنى التناسخ إلا اختلاف العبادات ، لا اختلاف الأوقات ، وذلك المعنى قائم ، وما التناسخ إلا ما عليه تناسخ الأحوال في كل ، على أن العبادات فيها المصلحة ، ومن تعبّدهم عالم بالذي به الأصلح في كل وقت ، فله ذلك.
__________________
(١) ينظر : اللباب في علوم الكتاب (٥ / ٣١٨).
(٢) سقط من ب.
(٣) هو قول الحسن والسدي وأبي مسلم الأصبهاني وينظر : اللباب في علوم الكتاب (٥ / ٣١٨).
(٤) قال سيف الدين الآمدي : منع أبو مسلم وقوع النسخ شرعا ، وجوزه عقلا ، ولم ينكر وقوعه من الملل إلا اليهود ، وانقسموا ثلاث فرق :
قال الشمعونية : يمتنع عقلا ، وسمعا.
وقال العنانية : يمتنع سمعا ، لا عقلا.
وقالت العيسوية : يجوز عقلا ووقع سمعا ، واعترفوا بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم إلى العرب خاصة.
قال الإمام الجويني في البرهان : وافقت غلاة الروافض اليهود في إنكار النسخ.
قال الآمدي : وأول من وضع لليهود أن موسى ـ عليهالسلام ـ نص على تأبيد شريعته ابن الراوندى.
ينظر : الإحكام للآمدي (٣ / ٩٥) ، والمستصفي للغزالي (١ / ١٠٧ ـ ١٠٩) ، والمنخول له (٢٨٨) ، والبرهان لإمام الحرمين (٢ / ١٢٩٣) ، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (٤ / ٤٦٣).