يَرَهُ) [الزلزلة : ٧] ليس على إرادة الذرّة ؛ ولكن على التمثيل أن لعمل الخير والشر جزاء وإن قل ؛ فكذلك الأول.
وفيه دلالة جواز العمل بالاجتهاد (١) ، ولما ذكرنا أنه لم يرد القدر الذي ذكره ؛ ولكن لمعنى فيه : بالاجتهاد يعرف لا بالنصوص ، وعن الشافعي ـ رضي الله عنه ـ : أن الدينار عنده مستكثر يحلف [عليه](٢) مدّعيه عند المنبر (٣) ، والله ـ تعالى ـ جعله مستقلّا.
وفيه دلالة ـ أيضا ـ جواز شهادة (٤) بعضهم لبعض وعلى بعض ، إن كانت فيهم
__________________
(١) الاجتهاد في اللغة : مصدر مأخوذ من الجهد ـ بضم الجيم ـ : الوسع والطاقة ، تقول : اجهد جهدك ، أي : ابذل وسعك وطاقتك. وقيل : الجهد ـ بفتح الجيم ـ : المشقة ، وقال الليث : الجهد ـ بفتح الجيم ـ : ما جهد الإنسان من مرض ، أو أمر شاق ، فهو مجهود ، والجهد لغة بهذا المعنى ، وفي حديث أم معبد : شاة خلفها الجهد ـ بفتح الجيم ـ عن الغنم.
قال ابن الأثير : وهو بالفتح : المشقة ، وقيل : المبالغة والغاية ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ)[الأنعام : ١٠٩] ، وبالضم : الوسع والطاقة. وقيل : هما لغتان في الوسع والطاقة ، فأما في المشقة فالفتح لا غير.
وفي الاصطلاح : عرفه الآمدي بأنه : «استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه».
وعرفه الغزالي بأنه : «بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشرع بحيث يحس من نفسه بالعجز عن مزيد طلب».
وعرفه الكمال بن الهمام بأنه : «بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظنى».
وعرفه ابن الحاجب بأنه : «استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي».
وعرفه الشيخ زكريا الأنصاري بأنه : «استفراغ الفقيه الوسع بأن يبذل تمام طاقته في نظره في الأدلة لتحصيل الظن بالحكم».
ينظر : لسان العرب (١ / ٧٠٩) (جهد) ، وترتيب القاموس (١ / ٥٤٥) (جهد) ، والإحكام للآمدي (٤ / ٢١٨) ، والمستصفى (٢ / ٣٥٠) ، والتقرير والتحبير (٣ / ٢٩١) ، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد (٢ / ٢٨٦) ، وغاية الوصول شرح لب الأصول للشيخ زكريا (١٤٧).
(٢) سقط من ب.
(٣) مذهب الإمام الشافعي في هذا : «وإذا كان الحق عشرين دينارا أو قيمتها ، أو دما أو جراحة عمد فيها قود ما كانت ، أو حدا أو طلاقا ، حلف الحالف بمكة بين البيت والمقام فإن كان بالمدينة فعلى منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإن كان في بيت المقدس ، ففي مسجدها ، أو ببلد ففي مسجد ، وأحب لو حلف بعد العصر ...» راجع : الأم (١٣ / ٢٠٠)
وقال الإمام مالك بن أنس في المدونة (٤ / ٥): «وعندنا بالمدينة لا يستحلف عند المنبر إلا في ربع دينار فصاعدا» كتاب الأقضية باب موضع اليمين.
(٤) الشهادات : جمع شهادة ، وتجمع باعتبار أنواعها وإن كانت في الأصل مصدرا. ولها في اللغة عدة معان.
منها : الإخبار بالشيء خبرا قاطعا. تقول : شهد فلان على كذا ، أي : أخبر خبرا قاطعا.
ومنها : الحضور ، تقول : شهد المجلس ، أي : حضره ، قال تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[البقرة : ١٨٥].
ومنها : الاطلاع على الشيء ومعاينته ، تقول : شهدت كذا ، أي : اطلعت عليه ، وعاينته. ـ