ويحتمل : لا يكلمهم بالرحمة سوى أن يقول لهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٨] ؛ وكقوله (١) : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
وقوله : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) :
نظر رحمة ، كما ينظر إلى المؤمنين بالرحمة.
وقوله : (وَلا يُزَكِّيهِمْ) :
أي : لا يجعل لخيراتهم ثوابا.
ويحتمل : أن يكون هذا في قوم علم الله منهم أنهم لا يؤمنون أبدا ؛ فقال : لا يزكيهم ، أي : لا تزكو أعمالهم.
وقوله : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) :
أي : كانوا يحرفون ألسنتهم بالكتاب على التعظيم والتبجيل :
(لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ)
أي : كانوا يحرفون نعته ـ عليه أفضل الصلوات ـ وصفته ، ثم يتلونه على التعظيم والتبجيل ؛ ليحسبوه من الكتاب المنزل من السماء ، وما هو من الكتاب الذي أنزل من السماء.
(وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [البقرة : ٧٩].
(وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
أنهم يكذبون على الله ، وأن ذلك ليس هو من عند الله.
وقوله : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) :
أي : ما كان لبشر اختاره الله للذي قال ؛ وتبين أنهم إنما أضافوا دينهم الذي فيه عبادة غير الله إلى أنبيائهم كذبة ، وأن الله يجعل رسالته عند من يعصمه عن مثله بقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] ، لا يجعلها حيث يخان ويكتم ، والله الموفق.
وهذه الآية تنقض على الباطنية (٢) قولهم ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يؤتى النفس
__________________
(١) في ب : وقوله ـ عزوجل.
(٢) الباطنية : فرقة خارجة عن فرق الأهواء ، وداخلة في فرق الكفر الصريح ؛ لأنها لم تتمسك بشيء من أحكام الإسلام لا في أصوله ولا في فروعه.
ولقد قالوا في النبوات برفع المعجزات الناقضات للعادات ، وأنكروا نزول الملائكة من السماء وغير ذلك. ينظر : أصول الدين لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي ص (٣٢٩ ـ ٣٣١).