أي : كنتم أشفيتم حفرة من النار ، وهو القريب منها ، لو لا أنه منّ بالإسلام. ويحتمل أن يكون على الكون فيها والوقوع ، لا القرب (١) ؛ كقوله : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) [التكاثر : ٦] ليس على الرؤية خاصة ؛ ولكن على الوقوع فيها ؛ وكقوله : (فَذُوقُوا الْعَذابَ) [آل عمران : ١٠٦] ليس على البعد منها ؛ ولكن على الكون فيها ، ومثله كثير يترجم على (٢) الوقوع فيها.
وقوله : (حُفْرَةٍ) : كأنه قال : كنتم على شفا درك (٣) من دركات النار ، (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها).
وهذا ـ أيضا ـ على المعتزلة ؛ لأن على قولهم : هم الذين ينقذون أنفسهم ، لا الله ، على ما ذكرنا ، [والله أعلم](٤).
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ نقول : إذا كان الله ـ تعالى ـ عندهم قد جمع بين الكفرة والبررة في بذل الأصلح لهم في الدّين ، وليس منه غير ذلك فلا يجىء أن يمنّ عليهم به يتألف بنعمته ، والتي منه موجود مع التفرق ؛ بل أولئك تألفوا بنعمتهم. وبعد ؛ فإنّ النعمة لو كانت دينا ، فما الذي كان منه حتى يمنّ ، وذلك فعلهم بلا فضل منه فيه؟! والله أعلم.
وفي قوله : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ) الآية : أنه قد يلزم خطاب الإيمان حين الفترة (٥) ؛ لأنهم في ذلك الوقت كانوا قد أنقذوا ، والله الموفق.
وقوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) : إذ كنتم أعداء في الجاهلية والكفر ، متفرقين ، وصرتم إخوانا في الإسلام ؛ كلمتكم واحدة.
(لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) : لكي تعرفوا نعمته ومنته.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : وقد يكون : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) في حادث الأوقات ؛ لتكونوا فيها مهتدين كما اهتديتم ؛ فيكون في ذلك وعد التوفيق والبشارة ، والله أعلم.
__________________
(١) ينظر الوسيط (١ / ٤٧٤) ، ومعاني القرآن للنحاس (١ / ٤٥٥) ، تفسير البغوي (١ / ٣٣٨) ، واللباب في علوم الكتاب (٥ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧).
(٢) في ب : عن.
(٣) الدّرك : أقصى قعر الشيء ، وأسفل كل شيء ذى عمق ، كالركية ونحوها. اللسان (٢ / ١٣٦٥) (درك).
(٤) بدل ما بين المعقوفين في ب : والله الموفق.
(٥) الفترة : ما بين النبيين ، كما بين نوح وإدريس وما بين عيسى ونبينا صلى الله عليهم وسلم أجمعين ، مأخوذ من الفتور ، وهو الغفلة ؛ لأنهم تركوا بلا رسول.
ينظر : النشر الطيب على شرح الشيخ الطيب (١ / ٣٨٩).