بما بذلوا مهجهم لله في نصر دينه ، وإظهار كلمته ، والإشفاق على رسوله ، حتى كان أحبّ إليهم من أنفسهم ؛ ويرونه أولى بهم ، والله الموفق.
ثم اختلف في المعروف والمنكر ، قيل : المعروف : كل مستحسن في العقل فهو معروف ، وكل مستقبح فيه فهو منكر (١).
ويحتمل الأمر بالمعروف : هو الأمر بالإيمان ، والنهي عن المنكر : هو النهي عن الكفر ؛ دليله : قوله : (وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ..). الآية ، يؤمنون هم ، ويأمرون غيرهم بالإيمان ، وينهون عن الكفر.
وقوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) :
لأن التفرق هو سبيل (٢) الشيطان بقوله : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام : ١٥٣].
(مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) : والبينات : هي الحجج التي أتى بها.
ويحتمل : بيان ما في كتابهم من صفة [رسولنا](٣) محمد صلىاللهعليهوسلم ونعته [الشريف](٤).
ويحتمل : تفرقوا عما نهج لهم الله ، وأوضح لهم الرسل ؛ فأبدعوا لأنفسهم الأديان بالأهواء ، فحذرنا ذلك ، وعرفنا أن الخير كله في اتباع من جعله الله حجة له ، ودليلا عليه ، وداعيا إليه ، ولا قوة إلا بالله.
(وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) :
دلّ هذا أن السبيل هو الذي يدعو الشيطان إليها.
وقوله : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ..). الآية :
وصف الله ـ عزوجل ـ وجوه أهل الجنة بالبياض ؛ لأن البياض هو غاية ما يكون به الصفاء ؛ لأن كل الألوان تظهر في البياض ، ووصف ـ عزوجل ـ وجوه أهل النار بالسواد ؛ لأن السواد هو نهاية ما تكون به الظلمة ؛ إذ الألوان لا تظهر في السواد فهو شبيه بالظلمة.
وقد يحتمل أن يكون المراد من وصف البياض والسواد ـ ليس نفس البياض والسواد ؛ ولكنّ البياض هو كناية عن شدّة السرور والفرح ، والسّواد كناية عن شدة الحزن والأسف ؛
__________________
(١) ينظر : الوسيط (١ / ٤٧٥) ، واللباب في علوم الكتاب (٥ / ٤٥٠ ـ ٤٥١).
(٢) في ب : سبل.
(٣) سقط من ب.
(٤) سقط من ب.