أحدهما : علمه بأن الذي في يديه (١) في الحقيقة في يد الله ؛ فهو يصرف ذلك حيث يصرفه ، لم يخرجه من يد من يده فى يده ، كأنه يعد في يده.
والثاني : بعلمه بجود (٢) ربه وقدرته ، حيث يكون ذلك فيما به قضاء حاجته ، والوصول إلى منفعته مع ما يعلم بالجود (٣) ، وكثرة الانتفاع بما لا ملك للمنتفع به ، وحرمان ذي الملك ذلك فيه.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) : يحتمل فيما يسرّهم ويضرّهم ، أو في حال يسر وعسر ، أو حال بلاء ونعمة.
ثم السبب الذي يسهل سبيل الإنفاق في تلك الأحوال ـ وإن كان بالذي ذكر في تسهيل التقوى ـ هذا وجوه ثلاثة :
أحدها : أن ترى مالك لمن له يد امتحنك بحق ذلك وحفظه ، وأنك إذا بذلته ارتفعت عنك مئونة الحفظ ، ومراعاة الحق على ما لم يكن ذاك عنك نفعه الذي كان له وقت كونه في يدك ؛ إذ هو بعد البذل في يد من يدك قبله في يده ، فكأنه لم يخرج من يدك بحيث النفع ، وإنما سقطت عنك ما ذكرت من المئونة ؛ إذ معلوم وجودها لك في الظاهر ؛ لا منتفع به ، ومن لا ملك له في الشيء منتفع به ، على العلم باستواء الأمر على من له بذلت ، والله أعلم.
والثاني : أن تشعر قلبك جوده بمن آثره على ما عنده ، وقدرته على إعطائه إياه من خزائنه التي لا تنفد ، ولا يتعذر عليه ، فتيقن بذلك ، وتعلم أنه لك على الإيصال إليه ؛ فيما لم يكن أوصله ، وعلى ذلك فيما أعطاه في القدرة واحد ؛ فيهون عليه ذلك ؛ والله أعلم.
والثالث : أن تعلم أنّ الذي عليه جبل وإليه دفع ؛ ليس للوقت الذي فيه ؛ ولكن ليتزود لمعاده ، ويكتسب به الحياة الدائمة ، والمنفعة التي لا تنفد ، فيصير كبائع الشيء بأضعاف ثمنه ، أو كباذل ما فيه فكاك رقبته ، أو كمقدم ما يمتهن إلى مكان مهنته ، أو كمن يعدّ الشيء في مسكنه لوقت حاجته ، فإن مثله آثر الشيء على الطبيعة ، وألذ شيء في العقل. ولا قوة إلا بالله.
ثم الأصل في قوله : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) أي : من لم يبلغ بما يرتكب من المعاصي ـ الكفر ، لم يمتنع من احتمال التسمية المتقين على إرادة خصوص التقوى ؛ وهو ممتنع
__________________
(١) في ب : يده.
(٢) في ب : بوجود.
(٣) في ب : بالوجود.